في خضم التطورات السياسية المتسارعة في الهند، يبرز التحالف الديمقراطي الوطني (NDA) كقوة سياسية محورية، لا سيما بعد فوزه الساحق الأخير في انتخابات ولاية بيهار في نوفمبر 2025. هذا التحالف، الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، ليس مجرد تكتل انتخابي، بل هو ظاهرة سياسية أعادت تشكيل خريطة القوة في الهند على مدى العقدين الماضيين. يستعرض هذا المقال مسيرة التحالف، بدءًا من تأسيسه وصولًا إلى هيمنته الحالية، مع تحليل أسباب نجاحه الأخير في بيهار.
رحلة التحالف الديمقراطي الوطني التاريخية
تأسس التحالف الديمقراطي الوطني في مايو 1998، كائتلاف سياسي يهدف إلى تشكيل جبهة موحدة ضد هيمنة حزب المؤتمر الوطني الهندي. وُصف التحالف بأنه يمثل تيار يمين الوسط، ويتبنى أيديولوجية تمزج بين القومية الهندوسية، والمحافظة الاجتماعية، والسياسات الاقتصادية الليبرالية. كانت أولى نجاحاته الكبرى بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أتال بيهاري فاجبايي، الذي ترأس حكومة التحالف من 1998 إلى 2004، وهي فترة شهدت استقرارًا سياسيًا وإصلاحات اقتصادية مهمة.
بعد فترة قضاها في المعارضة (2004-2014)، عاد التحالف إلى السلطة بقوة غير مسبوقة في عام 2014 تحت قيادة ناريندرا مودي. مثّلت هذه العودة نقطة تحول، حيث لم يعد التحالف مجرد ائتلاف، بل أصبح منصة لهيمنة حزب بهاراتيا جاناتا، مع الحفاظ على هيكل “الخيمة الكبيرة” الذي يضم أحزابًا إقليمية متنوعة.
عصر ناريندرا مودي : هيمنة متجددة وإنجازات بارزة
منذ توليه رئاسة الوزراء في 2014، قاد ناريندرا مودي التحالف الديمقراطي الوطني لتحقيق انتصارات انتخابية متتالية. أبرزها في الانتخابات العامة لعامي 2014 و2019. تميزت فترة حكمه بالتركيز على برامج الرعاية الاجتماعية واسعة النطاق مثل “Swachh Bharat” (الهند النظيفة) و”Jan Dhan Yojana” (خطة الثروة الشعبية).
بالإضافة إلى سياسة خارجية نشطة عززت مكانة الهند عالميًا. على الرغم من أن انتخابات 2024 أظهرت اعتمادًا أكبر على الشركاء في التحالف لتشكيل الحكومة، إلا أن قدرة مودي على الحفاظ على تماسك الائتلاف أكدت استمرار نفوذه السياسي.
تشريح التحالف: الشركاء الرئيسيون والأيديولوجيا
يقوم نجاح التحالف الديمقراطي الوطني على قدرته على الموازنة بين الأجندة الوطنية لحزب بهاراتيا جاناتا والمصالح الإقليمية لشركائه. أحزاب مثل جاناتا دال (المتحد) (JD(U)) في بيهار، وحزب تيلوغو ديسام (TDP) في أندرا براديش. وحزب لوك جانشاكتي (LJP)، تلعب أدوارًا حيوية في توسيع قاعدة التحالف الجغرافية والاجتماعية. هذه الديناميكية، وإن كانت معقدة، تمنح التحالف مرونة وقدرة على التكيف مع مختلف الساحات الانتخابية في الهند.
انتخابات بيهار 2025: دراسة حالة في النجاح
يُعد الانتصار الكاسح الذي حققه التحالف في انتخابات ولاية بيهار في 15 نوفمبر 2025 مثالًا حيًا على فعالية استراتيجيته. حيث حصد التحالف 202 مقعدًا من أصل 243، في نتيجة فاقت كل التوقعات. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لعدة عوامل متكاملة.
“لقد صوت شعب بيهار من أجل ولاية متقدمة ومزدهرة، محطمًا كل الأرقام القياسية. لقد قدمت هذه النتيجة صيغة ‘MY’ جديدة وإيجابية، وهي ‘Mahila’ (النساء) و’Youth’ (الشباب).” – رئيس الوزراء ناريندرا مودي
كما ذكرت التقارير الإخبارية، كان إقبال النساء على التصويت، الذي فاق إقبال الرجال لأول مرة في تاريخ الولاية، عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة التحالف.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الأداء القوي للحلفاء مثل حزب لوك جانشاكتي (LJP-RV) بقيادة شيراج باسوان. والذي فاز بـ 19 مقعدًا، إلى تعزيز النتيجة النهائية. بينما عانى تحالف المعارضة “الجبهة الكبرى” (Mahagathbandhan) من هزيمة قاسية، حيث حصل على 34 مقعدًا فقط مجتمعًا.
نظرة نحو المستقبل
مع سيطرته على الحكومة المركزية والعديد من حكومات الولايات، يقف التحالف الديمقراطي الوطني في موقع قوة لا يمكن إنكاره. إن انتصاره في بيهار يعزز من زخمه قبل الانتخابات الرئيسية القادمة. ومع ذلك، تظل التحديات قائمة، وأبرزها إدارة التوازنات الدقيقة داخل الائتلاف الواسع وضمان استمرار النمو الاقتصادي.
في نهاية المطاف، سيعتمد مستقبل التحالف على قدرته على مواصلة التكيف مع الديناميكيات السياسية المتغيرة في الهند.