مع اقتراب نهاية عام 2025، يعود اسم نوستراداموس الطبيب والمنجم الفرنسي الذي عاش في القرن السادس عشر إلى واجهة الجدل العالمي مجددًا.
تصدّرت صحيفة ديلي ميل البريطانية، وعدة مواقع بحثية أوروبية، عناوين تتحدث عن “تنبؤات مرعبة” تشير إلى حروب جديدة، وأزمات اقتصادية، وسقوط صامت للغرب، ما أعاد النقاش حول مدى واقعية تلك النبوءات القديمة في زمن يشهد تصاعد التوترات الجيوسياسية والمناخية.
من هو نوستراداموس؟الطبيب الذي تحوّل إلى رمز النبوءات العالمية
ولد ميشيل دو نوستراداموس في فرنسا عام 1503، وعُرف في البداية كطبيب بارع ساهم في علاج ضحايا الطاعون الذي اجتاح أوروبا.
لكن شهرته الحقيقية جاءت من كتابه الشهير Les Prophéties (النبوءات)، الذي نشره عام 1555، وجمع فيه 942 رباعية شعرية مكتوبة بلغة رمزية وغامضة.
تناولت هذه الرباعيات موضوعات مثل الحروب، الكوارث الطبيعية، الاغتيالات السياسية، والتغيرات المناخية والمجتمعية.
ورغم أن كثيرًا من الباحثين يعتبرون تلك النبوءات “تأويلية وليست تنبؤية”، فإن تأثيرها الثقافي ظل ضخمًا لقرون خصوصًا كلما اقترب العالم من مرحلة اضطراب سياسي أو بيئي.
“نوستراداموس والحرب العالمية الثالثة 2025
من أكثر المقاطع التي أثارت الجدل هذا العام قول نوستراداموس:
“عندما يحكم المريخ طريقه بين النجوم،
سيرشّ الدم البشري الحرم،
وتنهض ثلاث نيران من الشرق،
ويخبو نور الغرب في صمت.”
يفسر المعلقون الحديثون هذا المقطع على أنه نذير لصراع عالمي جديد.
فـ”المريخ” يرمز إلى الحرب والعدوان، بينما “ثلاث نيران من الشرق” فُسرت بأنها القوى الآسيوية الصاعدة مثل الصين والهند وربما تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، في حين يشير “خبو نور الغرب” إلى تراجع النفوذ الأوروبي والأمريكي في النظام الدولي.
تشير دراسات المجلس الأطلسي (Atlantic Council) ومؤسسة راند (RAND) إلى أن خطر اندلاع صراع عالمي واسع بحلول عام 2026 يصل إلى 30%، وهي نسبة مرتفعة تاريخيًا وتدعم المخاوف من أن نبوءة “المريخ” ليست بعيدة عن الواقع الراهن.
هل يتراجع الغرب فعلاً كما تنبأ نوستراداموس؟
تتحدث الرباعيات عن “خسوف نور الغرب في صمت”، وهي عبارة فُسرت في ضوء الأحداث الجارية:
- الانقسامات الأوروبية حول دعم أوكرانيا.
- الجدل الداخلي في الولايات المتحدة حول السياسة الخارجية والاقتصاد.
- تراجع الثقة العالمية بالدول الغربية كمراكز استقرار بعد الأزمات المتكررة.
ويرى المحلل السياسي الفرنسي جان باتيست أودرييه في تصريح لصحيفة لوموند أن “التراجع في النفوذ الغربي ليس نبوءة، بل نتيجة طبيعية لتحول موازين القوى شرقًا”.
النيران الثلاث والدم البشري… نذر حرب في الشرق؟
نوستراداموس 2025 والصراعات في آسيا والشرق الأوسط
الحديث عن “ثلاث نيران من الشرق” جعل كثيرين يربطونها بتوترات مضيق تايوان، والحرب الروسية – الأوكرانية، والصراع في الشرق الأوسط.
ففي وقت تتزايد فيه المؤشرات على سباق تسلح آسيوي واحتكاكات بحرية في بحر الصين الجنوبي، يرى خبراء الأمن أن تلك الرباعية تعبّر عن صعود قوى شرقية قد تغير النظام الدولي القائم.
المفارقة أن بعض الباحثين يعتبرون هذه القراءة “إسقاطًا سياسيًا معاصرًا” على نصوص قديمة، بينما يرى آخرون أن التشابه بين كلمات نوستراداموس والواقع الحالي “مقلق للغاية”.
الكرة النارية من السماء”: تهديد كوني أم سلاح نووي؟
نهاية العالم 2025؟ الكرة النارية التي حذّر منها نوستراداموس”
كتب نوستراداموس:
“من السماء سترتفع كرة نارية،
نذير القدر، والعالم في صلاة،
العلم والمصير في رقصة كونية،
مصير الأرض… فرصة ثانية.”
يفسّرها بعض المفسرين على أنها إشارة إلى كويكب أو مذنب يقترب من الأرض، في حين يرى آخرون أنها رمز لقنبلة نووية تمثل “الالتقاء القاتل بين العلم والمصير”.
لكن وكالة ناسا أكدت في تقريرها السنوي حول الأجسام القريبة من الأرض (2025) أنه لا توجد تهديدات فلكية وشيكة خلال العامين المقبلين، ما يضع “الكرة النارية” ضمن الرموز المجازية لا العلمية.
“هل تنبأ نوستراداموس بنهاية الموارد والحروب الاقتصادية؟
في نص آخر كتب:
“من الحرب الطويلة يُستنزف الجيش حتى لا يجد مالًا للجنود،
ويُسكّ الجلد بدل الذهب، والنحاس بدل الفضة،
وتظهر الهلالات القمرية.”
يفسّر بعض الباحثين هذا المقطع على أنه تحذير من انهيار اقتصادي عالمي بعد نزاعات طويلة، بينما يرى آخرون أنه إشارة رمزية إلى حروب الطاقة والموارد، وهو ما يذكّر بأزمة الوقود والغذاء التي رافقت الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المعادن والعملات.
بين الخرافة والعلم: كيف نقرأ نبوءات نوستراداموس اليوم؟
نبوءات نوستراداموس بين الحقيقة والأسطورة”
يرى مؤرخو جامعة كامبريدج في دراسة منشورة عام 2024 أن سرّ استمرار تأثير نوستراداموس هو “قدرته على التعبير عن مخاوف الناس أكثر من التنبؤ بالمستقبل بدقة”.
فكل جيل يقرأ رباعياته بما يتوافق مع أزماته:
- في الحرب الباردة فُسرت نبوءاته كتحذير من السوفييت.
- بعد هجمات 11 سبتمبر فُسرت كتحذير من الإرهاب العالمي.
- واليوم تُفسر كنبوءة عن انهيار النظام الغربي وصعود الشرق.
أما علماء الفلك والمؤرخون، فيؤكدون أن نصوص نوستراداموس “شعرية مجازية، لا يمكن التعامل معها كوثائق علمية أو تنبؤات دقيقة”.
نوستراداموس ونهاية الغرب… خيال أم تحذير واقعي؟
سواء كانت نبوءات نوستراداموس انعكاسًا للمخاوف أو تحذيرًا مبكرًا من تحولات عالمية، فإنها تعكس بوضوح حالة القلق الجمعي التي يعيشها العالم في 2025.
بين الحرب والأوبئة والتغير المناخي، تبدو رباعيات القرن السادس عشر وكأنها مرآة لعالم اليوم عالم يقترب أكثر من حافة المجهول.
قد لا يسقط الغرب في صمت كما تنبأ نوستراداموس :
لكن صوته الخافت اليوم يذكّرنا بأن التاريخ لا يرحم أولئك الذين يظنون أن قوتهم أبدية.
