في خطوة لاقت اهتمامًا واسعًا في الأوساط الدينية والإعلامية، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز يوم الأربعاء أمرًا ملكيًا بتعيين الشيخ صالح بن فوزان الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير، بناءً على ما عرضه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بهذا القرار، يصبح الفوزان رابع مفتي عام في تاريخ المملكة بعد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي شغل المنصب لما يقارب عقدين حتى وفاته في 23 سبتمبر/أيلول 2025.
من هو الشيخ صالح الفوزان؟
وُلد الشيخ صالح الفوزان عام 1354هـ الموافق 1935م في بلدة الشماسية بمنطقة القصيم، وينتمي إلى أسرة الوداعين من قبيلة الدواسر.
توفي والده وهو صغير، فتعلّم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة على يد الشيخ حمود بن سليمان التلال، إمام مسجد البلدة.
واصل تعليمه في المدارس النظامية، فالتحق بالمدرسة الفيصلية في بريدة، ثم بالمعهد العلمي حيث تخرّج عام 1377هـ.
نال درجة البكالوريوس في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1381هـ، ثم درجة الماجستير في الفقه بتخصص المواريث، وكانت رسالته بعنوان التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية.
وحصل على الدكتوراه بدرجة الشرف في الفقه عن أطروحته أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية.
المناصب التي شغلها الشيخ صالح الفوزان قبل تعيينه مفتيًا عامًا للمملكة
بعد تخرّجه، بدأ الفوزان حياته الأكاديمية مدرسًا في المعهد العلمي بالرياض، ثم انتقل للتدريس في كلية الشريعة، وبعدها في قسم الدراسات العليا بكلية أصول الدين، ثم في المعهد العالي للقضاء الذي تولى إدارته لاحقًا قبل أن يعود إلى التدريس فيه.
خلال مسيرته، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وألقى مئات الدروس العلمية في المساجد والجامعات، وله حضور بارز في المجلات الفقهية والبرامج الإذاعية.
كما عمل إمامًا وخطيبًا في جامع الأمير متعب بن عبد العزيز في الرياض، وشارك في الإشراف على الدعاة خلال موسم الحج.
شغل الفوزان مناصب مهمة داخل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهيئة كبار العلماء، والمجمع الفقهي في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
الفوزان… تلميذ ابن باز ووريث المدرسة السلفية الوسطية
تأثر الشيخ صالح الفوزان بشدة بالشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة الراحل. إذ تلقى على يده علم المواريث أثناء دراسته في كلية الشريعة بالرياض.
وكان من أبرز طلابه المقرّبين الذين شاركوه ذات المنهج العلمي القائم على الاعتدال، والتثبت في الفتوى، والاستناد إلى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة.
وبحسب سيرته المنشورة في موقعه الرسمي، كان الفوزان يواظب على حضور دروس ابن باز ومجالسه العلمية. ويعتبره مرجعيته الأولى في الفقه والفتوى.
مكانة منصب المفتي في السعودية
يُعد منصب المفتي العام أرفع المناصب الدينية والقضائية في المملكة.
ويُعيَّن المفتي بأمر ملكي، ويرأس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وهي الجهات المسؤولة عن إصدار الفتاوى الرسمية وتنظيم الخطاب الديني في البلاد.
أُنشئ المنصب رسميًا عام 1953 في عهد الملك عبد العزيز، وتولاه أولًا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. ثم الشيخ عبد العزيز بن باز عام 1993، فالشيخ عبد العزيز آل الشيخ عام 1999 حتى وفاته في 2025.
وبتعيين الشيخ صالح الفوزان، تتجدد المدرسة السلفية الوسطية التي أرساها أسلافه من كبار العلماء. في وقت تشهد فيه المملكة تحولًا واسعًا في مؤسساتها الدينية والتعليمية ضمن رؤية 2030.
الفوزان… صوت الاعتدال والضبط الشرعي في الإفتاء السعودي
عرف الشيخ الفوزان بمواقفه الواضحة ضد الغلو والتطرف الفكري، ودعوته الدائمة إلى التمسك بالوسطية والاعتدال في الدعوة والفتوى.
كما يؤكد في دروسه ومحاضراته على أهمية الرجوع للعلماء الموثوقين والالتزام بمصادر التشريع الأصيلة بعيدًا عن الاجتهادات الفردية غير المنضبطة.
ويُنتظر أن يواصل الفوزان في موقعه الجديد نهج المدرسة السلفية العلمية المحافظة. مع تطوير أساليب التواصل والإفتاء بما يتناسب مع التحولات الفكرية والاجتماعية في المملكة.
بتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتيًا عامًا للسعودية. تدخل المؤسسة الدينية مرحلة جديدة من التوازن بين الثبات على المنهج الشرعي الأصيل والانفتاح على التحولات الفكرية. في عهد الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وإذا كانت شخصية الفوزان تمثل رمزًا علميًا راسخًا. فإن مهمته المقبلة ستكون في توجيه الخطاب الديني السعودي نحو الاعتدال المؤسسي الذي يجمع بين الأصالة والتجديد.