إيناس محمد
صدمة في الأوساط السياسية التركية على إثر رد الفعل القوي لرئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي.
على نتائج الانتخابات الرئاسية لشمالي قبرص والذي رفض نتائج الانتخابات واعتبرها بداية لأمر خطير للغاية بالنسبة لتركيا، وكرّر اقتراحه بانضمام شمال قبرص إلى تركيا.
والمفاجئ في تصريحاته أنه حذر من تأثير فوز العلوي التركي طوفان إرهورمان على (العلويين) في الساحل السوري.
فوز إرهورمان.. ارتدادات تتجاوز المتوسط نحو الساحل السوري
شكّل فوز طوفان إرهورمان في انتخابات شمالي قبرص مفاجأة مدوية في أنقرة. ليس فقط لأن مرشح المعارضة حصد أغلبية ساحقة رغم الدعم التركي الصريح لإرسين تتار، بل لأن النتيجة كشفت توترًا مكبوتًا داخل منظومة الحكم في تركيا.
على المستوى الداخلي التركي، هذا التطور يعمّق الشرخ داخل تحالف «الشعب» الحاكم؛ فبهجلي يرى أن أي تساهل تجاه مشروع الفيدرالية الذي يدعمه إرهورمان قد يفتح الباب أمام سيناريوهات جيوسياسية خطرة تمس المصالح التركية مباشرة، من شرق المتوسط وحتى الحدود السورية.
وقال بهجلي:
“إنّ وجود اتحاد فيدرالي في جمهورية شمال قبرص التركية سيُحفّز القوى في سوريا التي تسعى إلى الاتحاد. هذا أمرٌ غير مقبول بالنسبة لتركيا.”
أما إقليمياً، فإن التأثير الأبرز يطال الساحل السوري، حيث يشكل العلويون الكتلة السكانية الأساسية؛ وتركيا تنظر بعين الريبة إلى أي نموذج فيدرالي يُفرض أو ينجح في محيطها، خشية أن يُعاد إنتاجه في سوريا في منطقة تشكّل عمقًا لموسكو وطهران.
ولذلك فإن صعود شخصية مثل إرهورمان، تؤمن بفكرة دولة قبرصية موحدة، يُفسَّر في أنقرة على أنه تهديد مزدوج: تراجع نفوذها القبرصي، واحتمال تعزيز التفكير بكيان محلي في الساحل السوري يمنح العلويين حماية ذاتية ودعمًا دوليًا.
هذا القلق يضع العلويين في صلب معادلة إقليمية أكبر منهم. فتركيا تخشى أن يؤدي أي تفكك للدولة السورية إلى بروز «كيان ساحلي» محصّن، على غرار ما يحذر منه بهجلي صراحة، وفي المقابل، أي ضغط تركي مفرط قد يولّد نتائج عكسية تدفع بهذا السيناريو إلى التحقق بدل منعه.
في المحصلة، فوز إرهورمان ليس خطوة محلية في جزيرة صغيرة، بل حلقة جديدة في صراع النفوذ شرق المتوسط، وجرس إنذار سياسي في أنقرة، وحدث يعيد صياغة حسابات تتقاطع عند نقطة واحدة: مستقبل الساحل السوري والعلويين فيه كعامل حساس في ميزان القوى الإقليمي.
خلفية أساسية: من هو أرهورمان ولماذا يقلق المنطقة؟
- طوفان أرهورمان فاز في الانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص التركية بنحو 62.7 ٪ من الأصوات.
- ينتمي إلى يسار الوسط ويفضّل مقاربة تسوية اتحادية (فيدرالية) مع الجانب القبرصي اليوناني، بخلاف موقف سلفه الذي كان يدعو إلى حل الدولتين.
- رغم هذا، أرهورمان قال بوضوح إنه لن يتخذ خطوات في السياسة الخارجية دون التشاور مع تركيا.
إذًا، ففوزه يمثل تغييراً في القيادة، لكن ليس انقلاباً كاملاً على العلاقة مع أنقرة. مع ذلك، التغيّرات تحمل فرصاً وتحدّيات على حد سواء.
لماذا قد تشعر تركيا بمخاوف (أو على الأقل توتر) من هذا الفوز؟
- تغيّر أولويات القبرص التركية: بدخول أرهورمان إلى المسرح السياسي ببرنامج فكّ الاعتماد الكلي على أنقرة. قد يقل انضباط القيادة الجديدة تجاه التوجّهات التركية التقليدية. تركيا قد تخشى أن يؤدي هذا إلى تقويض قدراتها في تحديد ما يعتبره «جبهة فرنسا/الاتحاد الأوروبي/اليونان» في الشرق المتوسط.
- الأجندة البحرية والموارد: العلاقات التركية – السورية، خصوصاً المتعلقة بخطوط البحر في شرق المتوسط، هي جزء من حسابات أنقرة الكبرى. مثلاً، يقول محللون: أن اتفاقاً بحريّاً بين تركيا وسوريا قد «يعيد تغيير المشهد البحري». أي تغيّر في موقف قبرص التركية أو في التحالفات الإقليمية قد يُعيد تشكيل المعادلات التي تشمل الساحل السوري (بحراً – ومنافذ – وموارد).
- الساحل السوري باعتباره مجالاً للاهتمام التركي: أنقرة سبق وأن أبدت قلقاً من «أحداث الساحل السوري» باعتباره منطقة حسّاسة للأمن القومي التركي. لو حصلت تحولات في قبرص / شرق المتوسط قد تجعل تركيا مضغوطة من جهة. فقد تكون خاسرة في جانب من المحيط الذي تحاول أن تضمنه.
- التأثير الرمزي والمباشر: فوز أرهورمان يُرسل رسالة إلى أن تركيا لا تملك السيطرة الكاملة على المعادلات في جارتها. وهذا من وجهة نظر أنقرة ليس مجرد شأن قبرصي، بل يشمل محيطها الاستراتيجي. والذي فيه سوريا والساحل السوري جزء لا يتجزّأ منه.
- خطر نشوء مسارات تسوية لا تُراعي مصالح تركيا: بما أن أرهورمان يدعو إلى إعادة فتح مفاوضات الحل الاتحادي في قبرص. هذا ربما يقلّل من هامش تركيا في التحكم في هذا الملف وبالتالي في المنطقة المحيطة. تركيا سابقاً لكّنت لنفسها ورقة قبرص كجزء من نفوذها شرق المتوسط. تغيّرٌ في هذا الباب قد يقلقها.
التركيب: كيف يمكن أن ينعكس ذلك على الساحل السوري؟
لنقل إن أنقرة تشعر بأنّ تحوّلاً في قبرص (بقيادة أرهورمان) قد يقلّل من قدرتها على ضبط المعادلات شرق المتوسط والمناطق المجاورة لسوريا. فما هي السيناريوهات التي قد تجعل الساحل السوري محلّ قلق؟
- إذا تغيّرت العلاقة التركية – السورية بأسلوب يجعل تركيا تحت ضغط أكبر من أطراف ثالثة (روسيا، إيران، الولايات المتحدة). فإن أنقرة قد تسعى إلى استعادة “زمام المبادرة” في الساحل السوري عبر تحرّكات عسكرية أو دبلوماسية أكثر شراسة.
- قد تستخدم أنقرة الساحل السوري كموقع تغطية أو ردّ تفعيلي لرسالة توجهها لطرف آخر بأنّ تغيّرات في قبرص لا تعني تخلّي تركيا عن “جناحها الجنوبي”.
- إذا نشأ في سوريا أو في الساحل السوري تحالف محلي يُشجع على تقارب مع اليونان أو قبرص أو الاتحاد الأوروبي. فإن تركيا قد تعتبر ذلك تهديداً للاطّمئنان النفوذي لديها. وبالتالي، الفوز بأرهورمان حتى وإن لم يكن موجه مباشرة ضد تركيا. يُعيد تسليط الضوء على ضرورة أنقرة للتحفّظ وتحصين حضورها في المحيط السوري.
- قد تُستخدم نتائج قبرص كـ “مؤشر” داخلي في تركيا بأنّ بعض الدول المساندة لتركيا قد تتجه نحو سياسات أكثر استقلالاً. مما يزيد من احتمالية أن تكون مصرّحة تركيا بأن «إذا اقتربتم من الطرف الآخر. نعزز حضورنا في مواقعكم الحيوية» مثل الساحل السوري.
لماذا لا تزال المخاوف محدودة وليست كارثية؟
- رغم الفوز، أرهورمان صرّح بأن السياسة الخارجية ستُدار بالتشاور مع تركيا. هذا يقلّل من احتمال تخلّيه التام عن التحالف مع أنقرة.
- تركيا لا تزال لاعباً قوياً في شرق المتوسط وسوريا، وتملك بالفعل قواعد وحضوراً مؤثّراً في الساحل السوري. لذا “تعديل” النفوذ ليس بالضرورة أن يعني “انهيار” النفوذ.
- ليس هناك حتى الآن دليل مباشر على أن فوز أرهورمان قد أفضى إلى تغيّر عملي واضح في الملف السوري/الساحل السوري.
- بعض المحلّلين يرون أن فوز أرهورمان قد يفتح باباً للحوار وليس بالضرورة مواجهة مع تركيا.
ماذا لو تغيّرت القواعد؟
فوز طوفان أرهورمان يعيد تركيب بعض المعادلات في شرق المتوسط، وهو ما يجعل أنقرة تراقب بترقّب كيف سيتطوّر المشهد. ولا سيّما كيف يمكن أن يؤثّر ذلك في جيرانها، سوريا بما فيها الساحل السوري. المخاوف التركية ليست وليدة لحظة، لكنها تعكس استباقية استراتيجية، “ماذا لو تغيّرت القواعد”؟. وأرى أنها مخاوف معقولة، لا مبالغ فيها، لكن تستحق الانتباه.