في غضون أسابيع قليلة، تحول ” متحف اللوفر ” أحد أبرز المتاحف في العالم إلى مسرح لعمليات سرقة معقّدة. مست قطعًا تُعدّ من رموز الذاكرة الإنسانية.
من القاهرة إلى باريس، يبدو أن التراث العالمي يعيش لحظة اختبار حقيقية: هل ما زال العالم قادرًا على حماية تاريخه؟
اقتحام متحف اللوفر: سرقة في قلب باريس
في 19 أكتوبر 2025، أغلقت السلطات الفرنسية متحف اللوفر بعد عملية اقتحام جريئة نفذها مجهولون فجرًا.
ووفقًا لتقارير رويترز وفايننشال تايمز، دخل الجناة من مصعد شحن، وكسروا نافذة في قاعة “أبولون” الشهيرة. ثم استخدموا منشارًا كهربائيًا لقطع زجاج العرض وسرقوا تسع قطع من جواهر نابليون والإمبراطورة جوزفين.
العملية لم تستغرق أكثر من سبع دقائق، وغادر المنفذون على دراجات نارية قبل وصول الحراس.
وزارة الثقافة الفرنسية أكدت أن القطع المسروقة “ذات قيمة رمزية وتاريخية لا تُقدّر بثمن”. وأن التحقيق يجري بمشاركة الشرطة المتخصصة في الجرائم الفنية.
صحيفة الغارديان البريطانية وصفت الحادث بأنه “ضربة موجعة لصورة فرنسا الثقافية”. مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي يُخترق فيها أحد أكثر المتاحف حراسة في العالم.

القاهرة: سرقة من داخل جدران المتحف
قبل شهر واحد فقط، كشفت وزارة السياحة والآثار المصرية عن سرقة إسوِرة ذهبية فرعونية عمرها أكثر من ثلاثة آلاف عام من المتحف المصري بالقاهرة.
القطعة، التي تعود إلى الملك “آمنموب إي”، مسروقة من مختبر الترميم الداخلي، أي من أيدي العاملين أنفسهم.
التحقيقات أوضحت أن موظفة استغلت ضعف الرقابة وباعت القطعة في سوق الذهب المحلية مقابل نحو 4,000 دولار فقط، قبل أن يتم إذابتها.
الحادثة أثارت غضبًا واسعًا في مصر، حيث وصفها إعلاميون بأنها “سرقة للهوية قبل أن تكون سرقة للذهب”.
الوزارة وصفت الحادث بأنه “خسارة لا تُقدّر بثمن لتراث مصر”، وتؤكد أن الإجراءات الأمنية بالمتحف ستُراجع بالكامل.

سرقة علمية في متحف التاريخ الطبيعي
وفي منتصف سبتمبر، تعرض المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس لسرقة عينات ذهبية نادرة من قسم الجيولوجيا.
أكدت صحيفة الغارديان أن الجناة نفذوا العملية بطريقة دقيقة تشبه أسلوب سرقة البنوك: قطعوا الزجاج دون ضوضاء، وعرفوا مكان العينات مسبقًا.
مدير المتحف وصف العملية بأنها “منظمة ومدروسة بعناية”، مشيرًا إلى أن العينات المسروقة “ذات قيمة علمية لا يمكن تعويضها”.

هل هناك رابط بين الحوادث؟
تزامن هذه العمليات خلال فترة قصيرة يثير أسئلة حول وجود شبكة منظمة تستهدف المتاحف الكبرى أو تختبر أنظمة الأمن الثقافي حول العالم.
الخبير الأمني الفرنسي جان بيير لوران قال إن “هناك مؤشرات على أن بعض العصابات باتت تتعامل مع القطع الأثرية كعملة بديلة في السوق السوداء، نظرًا لصعوبة تتبعها”.
كما رجّح أن تكون بعض السرقات “اختبارات تمهيدية” لعمليات أكبر مستقبلًا، خصوصًا أن المنفذين أظهروا مستوى عالٍ من التخطيط والدقة.
من سرقة المال إلى سرقة الذاكرة
ما يثير القلق في هذه الحوادث أنها لا تستهدف المال فحسب، بل رموزًا ثقافية تمثل ذاكرة الشعوب.
فقدانها يعني ضياع جزء من التاريخ الإنساني، وتحويل الإرث الثقافي إلى سلعة في سوق مظلمة.
تقول اليونسكو في تقريرها السنوي لعام 2024 حول الجرائم الثقافية إن “الاتجار غير المشروع بالآثار يُعد ثالث أكبر نشاط غير قانوني في العالم بعد تجارة المخدرات والأسلحة”. مؤكدة أن وتيرة هذه الجرائم تتزايد مع ضعف أنظمة الرقابة.
وفي القاهرة، أشار تقرير لوكالة AP إلى أن السرقات التي تحدث من داخل المؤسسات الثقافية “تعد الأخطر لأنها تكشف ضعف الرقابة الداخلية أكثر من ضعف الحراسة الخارجية”.
ما الذي يجب فعله الآن؟
يرى خبراء الأمن الثقافي أن الحل يبدأ من الداخل عبر تعزيز أنظمة المراقبة في المتاحف. وتدريب العاملين على إجراءات الحماية، وتطبيق بروتوكولات صارمة لتوثيق القطع داخل المخازن.
كما أوصى تقرير اليونسكو بضرورة إنشاء قاعدة بيانات عالمية موحدة للقطع الأثرية المسروقة، لتسهيل تتبعها في الأسواق غير الشرعية.
الخلاصة
من باريس إلى القاهرة، تتكرر مشاهد السرقة بنفس التفاصيل تقريبًا، وكأن العالم يتعرض لاختبار غير معلن.
السرقات لم تعد مجرد أعمال جنائية، بل مؤشرات على ثغرة عالمية في حماية التراث.هذه ليست حربًا على المال، بل حرب على الذاكرة الإنسانية نفسها.
فإذا كانت المتاحف، التي بُنيت لحفظ التاريخ، تُسرق بهذه السهولة فمن يحفظ التاريخ من الضياع؟