بداية العلاقة: من قتال داعش إلى التداخل السياسي
تشكلت العلاقة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والولايات المتحدة في ظروف استثنائية منتصف العقد الماضي، مع تصاعد تهديد تنظيم داعش.
- في 2014، تبنّت واشنطن دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية كأداة أساسية في المعركة ضد داعش، رغم حساسية هذه الخطوة بالنسبة لتركيا، الحليف في الناتو.
- في 2015، تأسست قسد رسميًا كمظلة تضم عناصر كردية وعربية، لتجنّب الحرج السياسي لواشنطن بدعم جماعة تصنفها أنقرة إرهابية (YPG).
- العلاقة ظلت قائمة على الاحتياج الأمني المشترك، دون التزامات سياسية طويلة الأمد. لم تعترف واشنطن بـ”قسد” كحليف سياسي رسمي، بل كمكوّن عسكري وظيفي ضمن التحالف الدولي ضد داعش.
حقبة الأسد: تقاطع الحذر والتنسيق المجزأ
خلال سنوات الأسد، ساد التوتر والشك بين دمشق وقسد، رغم بعض أشكال التنسيق غير المباشر:
- في معارك منبج والرقة ودير الزور، رفضت دمشق دعم “قسد”، بل كانت تنظر إليها كقوة انفصالية مدعومة أميركيًا.
- لكن في لحظات الفراغ الأمني، وخصوصًا بعد انسحاب أميركي مفاجئ جزئي بقرار ترامب (2019)، لجأت قسد إلى تنسيق محدود مع دمشق لردع هجمات تركية شمال سوريا.
- دمشق طالبت بدمج قسد ضمن “الجيش السوري”، وهو ما رفضته قيادة قسد معتبرة أن أي تسوية يجب أن تشمل “إعادة تعريف مركزية القرار الأمني والسياسي في الدولة السورية”.
منصة التنف والتقاطع الإقليمي
- قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية تمثل موضعًا رمزيًا لتداخل ثلاثي: أميركا، قسد، ومجموعات مدعومة من واشنطن.
- قسد لم تنشر قواتها رسميًا في التنف، لكن وجودها اللوجستي والاستخباراتي كان جزءًا من منظومة مراقبة التحركات الإيرانية في البادية السورية.
- هذا التنسيق كان يستفز دمشق وطهران، ويُنظر إليه كتمدد لـ”الاحتلال الأميركي”، حسب بيانات إعلام النظام السوري.
لحظة التحول: اتفاق مارس 2025
- في مارس 2025، وقع الطرفان (واشنطن وقسد) اتفاقًا عسكريًا محدثًا تضمن خطوط دعم لوجستي وتقني، ودراسة إنشاء وحدات مشتركة لصيانة وصناعة الذخيرة.
- الاتفاق جاء في سياق تصاعد نشاط داعش مجددًا، وضغوط روسية-إيرانية لتقليص النفوذ الأميركي شرق الفرات.
- الأهم هو أن الاتفاق تضمّن إشارات إلى “انفتاح مشروط” على التفاوض مع دمشق بوساطة فرنسية، ما أعاد ملف العلاقة مع النظام إلى السطح.
تحذيرات واشنطن من انهيار أمني شامل
- في يونيو ويوليو 2025، حذرت وزارة الخارجية الأميركية من احتمال “فقدان السيطرة الأمنية” في شرق الفرات، مع رصد هجمات نوعية لداعش قرب البصيرة والهجين.
- واشنطن طرحت خيار “تعزيز التنسيق الأمني الثلاثي”: قسد، أميركا، ودمشق، لكن دون تسوية سياسية شاملة.
- اللقاء المرتقب بين المبعوث توم باراك وقائد قسد مظلوم عبدي يُفترض أن يضع خطوطًا جديدة للمرحلة المقبلة، بما في ذلك احتمال إشراك دمشق في ترتيبات أمنية دون تطبيع مباشر.
سقف العلاقة: لا تحالف ولا قطيعة
العلاقة بين واشنطن وقسد تبقى براغماتية ووظيفية: تنطلق من الحاجة وتُقيّدها الحسابات الإقليمية، خصوصًا الضغوط التركية والإسرائيلية.
الولايات المتحدة لم تعترف بقسد كممثل سياسي، لكنها تمنع سقوطها عسكريًا، سواء بدعم جوي، تسليحي، أو تدريبي.
أما دمشق، فتناور بين الاحتواء والعداء، وتستثمر أي تصدّع أميركي في العلاقة، لكنها ترفض منح “الإدارة الذاتية” اعترافًا فعليًا.
هشاشة التوازن وحدود المستقبل
العلاقة الثلاثية بين قسد وواشنطن ودمشق تقوم على معادلة دقيقة:
- واشنطن تحتاج قسد لضبط داعش ومنع تمدد إيران،
- قسد تحتاج واشنطن للبقاء،
- ودمشق تنتظر اللحظة التي تستعيد فيها السيطرة دون قتال.
أي خلل في هذه المعادلة—انسحاب أميركي مفاجئ، أو تصعيد تركي، أو تطبيع سوري-إيراني شامل—قد يؤدي لانفجار الوضع الأمني، وربما لانهيار كامل للترتيبات الهشة.