في لحظة كانت نيودلهي تنتظرها لتأكيد صعودها في صناعة الدفاع، تحوّلت الأضواء في معرض دبي للطيران 2025 من منصّة التسويق إلى مشهد مأساوي.
فقد تحطّمت المقاتلة الهندية “تيجاس” (Tejas) خلال عرض جوي. ما أدى إلى مقتل الطيار. لتواجه الهند أول أزمة علنية في برنامجها الأضخم للتصنيع العسكري منذ عقود.
الحادث، وهو الثاني خلال أقل من عامين، أثار تساؤلات عميقة حول جاهزية المقاتلة وسلامتها. في وقت تراهن فيه الهند على “تيجاس” كرمز لاستقلالها الدفاعي، وبديل وطني لمقاتلات F-16 الأميركية التي تشغّلها باكستان، وJF-17 الباكستانية-الصينية.
“مقاتلة تيجاس” رمز السيادة تحت المجهر
“تيجاس” لم تكن مجرد طائرة جديدة في الأسطول الهندي؛ بل مشروع سيادي-استراتيجي ضمن مبادرة “صُنع في الهند” التي أطلقتها نيودلهي لتقليص الاعتماد على الخارج.
المقاتلة وُلدت من رحم مشروع LCA – Light Combat Aircraft الذي بدأ في الثمانينيات لاستبدال مقاتلات ميغ-21 السوفييتية. وشارك فيه جهاز ADA للتطوير الجوي وشركة هندوستان آيرونوتيكس HAL للإنتاج.
لكن حادث دبي وضع المشروع في مواجهة امتحان صعب:
هل تستطيع الهند إقناع العالم بقدرتها على إنتاج طائرة منافسة عالميًا.
بينما تتكرر الحوادث في لحظات الاستعراض الدولي؟
رهان صناعي على مقاتلة تيجاس بمليارات
رغم الحادث، تظل “تيجاس” واحدة من أكثر المشاريع الدفاعية طموحًا في آسيا.
فقد وقّعت نيودلهي هذا العام عقودًا مع HAL لشراء 97 مقاتلة جديدة من النسخة المطوّرة Mk.1A. لتصل الطلبيات الإجمالية إلى أكثر من 200 طائرة — وهو أكبر برنامج إنتاج عسكري محلي في تاريخ الهند الحديث.
كما أبرمت اتفاقًا مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية لتوريد أكثر من 100 محرك توربيني F404. بالتوازي مع فتح خط إنتاج ثالث في مدينة ناشيك لرفع القدرة التصنيعية إلى 24 مقاتلة سنويًا.
لكن كل ذلك الاستثمار أصبح الآن رهينة تقييمات السلامة والتحقيقات الدولية.
مقاتلة خفيفة بتقنيات معقدة
تتميّز “تيجاس” بتصميمها ذي الأجنحة الدلتاية الشكل من مواد مركّبة خفيفة تقلّل البصمة الرادارية وتزيد متانة الهيكل.
وتعتمد على نظام تحكم رقمي رباعي القنوات (Fly-By-Wire) يترجم أوامر الطيار إلكترونيًا. ليحافظ على استقرار الطائرة حتى في زوايا هجوم عالية.
ويكمل ذلك قمرة قيادة رقمية كاملة (Glass Cockpit). وشاشة عرض مدمجة للبيانات. مع نظام HOTAS للتحكم بالمهام القتالية من مقعد الطيار.
النسخة الجديدة Tejas Mk.1A تعد الأكثر طموحًا حتى الآن، إذ تحمل رادار AESA متطورًا. وحزمة حرب إلكترونية متقدمة، وصواريخ جو–جو بعيدة المدى. وإمكانية التزوّد بالوقود جوًا، إضافة إلى رفع نسبة المكوّنات المحلية في التصنيع إلى نحو 65%.
منصة وطنية أم خطر متكرر؟
قبل عام 2024، اعتبرت “تيجاس” نموذجًا ناجحًا في سجل السلامة، بعد آلاف الطلعات من دون حوادث تُذكر.
لكن أول اختبار حقيقي جاء في مارس 2024 حين تحطمت مقاتلة قرب مدينة جايسالمر بسبب عطل في مضخة الزيت. نجا الطيار، وتمت مراجعة المحركات بالكامل.
غير أن حادث دبي 2025 مختلف تمامًا — فقد وقع أمام جمهور دولي. وأثناء استعراض قدرات المناورة، وهي أهم نقاط تسويق المقاتلة.
الصور الملتقطة للحادث، والوفاة المأساوية للطيار، وضعت المشروع في بؤرة الإعلام الدولي، وأثارت تساؤلات في دوائر المشتريات العسكرية حول العالم.
التحدي التصديري
قبل الحادث، كانت الهند في مرحلة مفاوضات متقدمة مع أربع دول بينها مصر وماليزيا والفلبين والأرجنتين. لبيع نسخ تصديرية من “تيجاس”.
لكن أي تكرار للحوادث قد يهدد الثقة في المقاتلة الهندية التي تُقدّم كبديل منخفض التكلفة لمقاتلات الجيل الرابع الغربية.
يقول محللون عسكريون إن النجاح التصديري لتيجاس “لن يُقاس بسعرها أو أدائها فقط. بل بقدرة الهند على إثبات موثوقيتها كمصنّع سلاح”، وهو التحدي الذي تواجهه للمرة الأولى على الساحة الدولية.
بين الطموح والتحدي
ورغم الانتكاسة، تؤكد نيودلهي أن برنامجها مستمر.
مسؤول في وزارة الدفاع الهندية قال عقب الحادث: “كل طائرة مقاتلة تمر بمراحل نضوج طويلة. وسنواصل الاستثمار في تيجاس لأنها أساس الاستقلال الدفاعي.”
لكن الخبراء يرون أن الهند تحتاج إلى إصلاح نظام الاختبارات والسلامة وزيادة الشفافية في نتائج التحقيقات. خاصة أن مشروع Tejas Mk.2 الأكبر والأثقل ما زال قيد التطوير، ويعتمد جزئيًا على دروس النسخة الحالية.
تحطم “تيجاس” في دبي لا يعني نهاية المشروع، لكنه ضربة رمزية موجعة لطموح الهند في أن تكون قوة تصدير دفاعي منافسة للصين وتركيا وكوريا الجنوبية.
ففي عالم المقاتلات الحديثة، لا يُقاس النجاح بعدد الطائرات المباعة فقط، بل بالثقة التي تبنيها السماء بعد كل طلعة.
ولأن الهند تراهن على سمعتها الصناعية، فإن حادثًا واحدًا خارج حدودها يمكن أن يكلّفها سنوات من التسويق والدبلوماسية الدفاعية.
