أعلنت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، تولسي جابارد، عن تحول جذري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. مؤكدة أن استراتيجية “تغيير الأنظمة أو بناء الدول” التي اتبعتها واشنطن لعقود قد انتهت بشكل فعلي في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. جاء هذا الإعلان خلال مشاركتها في حوار المنامة، وهو قمة أمنية سنوية رفيعة المستوى تعقد في البحرين.
ويعد تصريح جابارد، الذي وصفه البعض بـ “اعتراف صادم” نظرًا لصراحته ووضوحه، إشارةً واضحةً إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى نهجًا جديدًا يركز على الواقعية والصفقات. مبتعدةً عن التدخلات العسكرية والسياسية التي سعت إلى فرض نماذج حكم معينة على دول أخرى.
انتقاد صريح لمديرة الاستخبارات الأمريكية تولسي جابارد
لم تتردد جابارد، وهي عضو سابق في الكونغرس ومحاربة قديمة في الحرس الوطني بالجيش الأمريكي، في توجيه انتقاد مباشر للاستراتيجيات الأمريكية السابقة. وذكرت أن السياسة الخارجية للبلاد “ظلت محاصرةً في حلقةٍ غير مثمرةٍ لا نهايةَ لها لتغيير الأنظمة أو بناء الدول”.
وأضافت تولسي جابارد أن هذا النهج كان “نموذجًا واحدًا يناسب الجميع، لإسقاط الأنظمة ومحاولة فرض نظام حكمنا على الآخرين والتدخل في الصراعات التي لم تكن مفهومةً واكتساب أعداءَ أكثرَ من الحلفاء”. وشددت على أن نتائج هذه السياسات كانت وخيمةً، حيث أدت إلى “إنفاق تريليونات وخسارة عددٍ لا يُحصى من الأرواح. وفي كثيرٍ من الحالات التسبب في وجود تهديداتٍ أمنيةٍ أكبرَ”.
ويعكس هذا التقييم اعترافًا رسميًا من أعلى المستويات الاستخباراتية الأمريكية بأن التدخلات الخارجية، التي كانت تهدف ظاهريًا إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان, أسفرت في الواقع عن نتائج عكسية، وزادت من حالة عدم الاستقرار في مناطقَ حساسةٍ من العالم، خاصةً في الشرق الأوسط.
النهج الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية
في المقابل، أوضحت جابارد أن ولاية ترامب الثانية تركز على أهدافٍ مختلفةٍ تماماً. فقد تم استبدال الأهداف السابقة بالتركيز على الرخاء الاقتصادي والاستقرار الإقليمي. ويشمل هذا النهج التعامل مع القضايا الإقليمية بنظرةٍ واقعيةٍ، بعيدًا عن الأيديولوجيات التدخلية.
ويظهر هذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية رغبةً في إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في العالم. من قوةٍ تسعى إلى تغيير الخرائط السياسية إلى شريكٍ يسعى إلى تحقيق مصالحَه عبر الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي. وقد تجلى هذا النهج في التعامل مع ملفاتٍ إقليميةٍ معقدةٍ. مثل تأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، والجهود المبذولة لتهدئة التوترات مع إيران.
ويُعتقد أن هذا التوجه الجديد يهدف إلى توفير الموارد الأمريكية، التي كانت تُستنزف في حروبٍ طويلةٍ ومكلفةٍ. وتوجيهها نحو التحديات الداخلية أو المنافسة مع القوى العظمى الأخرى. كما أنه يمثل استجابةً للرأي العام الأمريكي المتزايد الذي يطالب بإنهاء “الحروب الأبدية”.
تداعيات إقليمية ودولية
من المتوقع أن يكون لتصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد تداعياتٌ كبيرةٌ على العلاقات الدولية، خاصةً في الشرق الأوسط. فالدول التي كانت تعتمد على الدعم الأمريكي لتغيير أنظمةٍ معينةٍ قد تضطر إلى إعادة تقييم استراتيجياتها. وفي الوقت نفسه، قد تجد الدول التي كانت هدفًا لسياسات “تغيير الأنظمة” السابقة فرصةً لتعزيز استقرارها الداخلي.
ويؤكد هذا الإعلان أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب تتبنى منطقًا مختلفًا، يرى أن التدخلات العسكرية والسياسية غالبًا ما تؤدي إلى نتائجَ غيرَ مرغوبةٍ. وبدلًا من ذلك، فإن الإدارة تفضل نهجًا عمليًا يركز على المصالح المباشرة للولايات المتحدة، مع إعطاء الأولوية للاستقرار الإقليمي كأداةٍ لتحقيق هذه المصالح.