من هو رياض سلامة؟
رياض توفيق سلامة، من مواليد 1950 في أنطلياس، لبنان. بدأ مسيرته المهنية في القطاع المصرفي، حيث عمل في بنك “ميريل لينش” في باريس، قبل أن يُعيّن حاكمًا لمصرف لبنان عام 1993 بقرار من الرئيس إلياس الهراوي ورئيس الحكومة رفيق الحريري. استمر في منصبه لمدة ثلاثين عامًا تقريبًا، ليُصبح أحد أطول من شغل هذا المنصب في تاريخ لبنان، وأكثرهم إثارة للجدل.
انتماؤه الاقتصادي ودوره في المنظومة
لا ينتمي سلامة إلى حزب سياسي، لكنه يُعتبر مهندس السياسات النقدية التي دعمت النموذج الاقتصادي اللبناني القائم على:
- تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
- جذب الودائع من الخارج عبر فوائد مرتفعة.
- تمويل الدولة عبر المصرف المركزي.
هذا النموذج، رغم نجاحه الظاهري لعقود، انهار بالكامل عام 2019، ما جعل سلامة في قلب الاتهامات الشعبية والسياسية.
أبرز الملفات أثناء توليه الحاكمية
1. تثبيت سعر الصرف
منذ 1997، حافظ سلامة على سعر صرف ثابت (1507 ليرات للدولار)، ما أعطى وهمًا بالاستقرار، لكنه كبّل الاقتصاد وأضعف الإنتاج.
2. الهندسة المالية
ابتكر أدوات مالية لجذب الدولارات، أبرزها “الهندسات المالية” التي ضخت أرباحًا ضخمة للبنوك، لكنها زادت الدين العام وأضعفت الاحتياطي.
3. دعم المصارف
دافع بشراسة عن القطاع المصرفي، ورفض تحميل البنوك مسؤولية الانهيار، رغم تورطها في تحويلات خارجية بعد 2019.
4. إدارة الأزمة
خلال الانهيار، رفض سلامة الاعتراف بالخسائر، وواجه الحكومة والبنك الدولي، ما زاد التوتر بينه وبين السلطة التنفيذية.
كيف عاش لبنان اقتصاديًا وسياسيًا في عهده؟
اقتصاديًا:
- ارتفع الدين العام إلى أكثر من 100 مليار دولار.
- انهارت الليرة بنسبة تفوق 90٪ بعد 2019.
- فُقدت الثقة بالمصارف، وتجمّدت الودائع.
- ارتفعت البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
سياسيًا:
- تحوّل سلامة إلى رمز للمنظومة المالية المتهمة بالفساد.
- واجه انتقادات من الرؤساء والوزراء، لكنه بقي في منصبه حتى 2023.
- اعتُبر “رجل الظل” الذي يُدير الاقتصاد بعيدًا عن الرقابة السياسية.
الاتهامات القضائية: متى بدأت؟ وما هي؟
منذ 2020، بدأت التحقيقات القضائية في لبنان وخارجه، وتشمل:
- اختلاس أموال عامة: تحويلات مشبوهة من حسابات مصرف لبنان إلى شركات خاصة مرتبطة به وبشقيقه.
- تبييض الأموال: عبر شبكة حسابات في سويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ.
- الإثراء غير المشروع: امتلاك عقارات وحسابات لا تتناسب مع راتبه الرسمي.
- تزوير مستندات: في ملفات استشارات مالية وهمية.
صدرت بحقه مذكرات توقيف من فرنسا وألمانيا، وأُدرج على لوائح الإنتربول، لكنه بقي حرًا حتى توقيفه في لبنان عام 2024.
كيف واجه سلامة الاتهامات؟
- أنكر جميع التهم، واعتبرها “حملة سياسية” تستهدفه.
- استعان بفريق دفاع دولي، ورفض المثول أمام القضاء الأوروبي.
- قدّم طعونًا قانونية، وطلب استئناف قرارات التوقيف.
- استمر في الظهور الإعلامي، مؤكدًا أن أمواله “مشروعة ومصرّح عنها”.
ورغم الضغوط، لم يُسجن فعليًا إلا في لبنان، حيث أُوقف احتياطيًا في أيلول 2024.
ما هو الحكم؟ وكيف سيقضي العقوبة؟
- لم يصدر حكم نهائي بعد، لكنه موقوف احتياطيًا منذ عام.
- في سبتمبر 2025، خفّض القضاء اللبناني كفالته من 20 إلى 14 مليون دولار.
- يُتوقع خروجه من السجن دون دفع الكفالة، استنادًا إلى المادة 108 من قانون المحاكمات الجزائية.
- سيُمنع من السفر لمدة عام، وتستمر محاكمته خارج السجن.
ورغم تجميد أمواله داخليًا وخارجيًا، أثار خبر الإفراج غضبًا شعبيًا واسعًا، وسط تهكمات على قدرته على دفع الكفالة.
رياض سلامة لا يُمثّل مجرد حاكم مصرف، بل يُجسّد نموذجًا اقتصاديًا انهار تحت وطأة الفوائد والديون. ورغم محاولاته لتبرئة نفسه، فإن الملفات القضائية تُعيد تعريف العلاقة بين السلطة النقدية والمحاسبة السيادية. ومثل ساركوزي، يواجه سلامة اختبارًا حاسمًا: هل يُمكن لرجل المنظومة أن يُحاسب داخلها؟ أم أن العدالة ستبقى معلّقة في لبنان؟