اتفاق 2015 – نافذة أمل لم تغلق طويلاً
في 14 يوليو 2015، أبرمت إيران اتفاقًا نوويًا مع القوى الكبرى، عرف بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني لسنوات. الاتفاق فتح الباب أمام الشركات العالمية للاستثمار في إيران، مما أدى إلى نمو صادرات النفط ووصولها إلى مستويات 2.8 مليون برميل يوميًا. لكن في مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب واشنطن أحاديًا من الاتفاق، معيدًا فرض العقوبات، مما أدى إلى انخفاض العملة الإيرانية بنسبة 60% خلال أقل من عام، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بشكل حاد.
التصعيد النووي – من التفاوض إلى المواجهة
بعد انسحاب واشنطن، ردّت إيران في 2019 بتقليص التزامها بالاتفاق وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 4.5% بدلًا من 3.67% المحددة في الاتفاق، متجاهلة التحذيرات الأوروبية. بحلول 2021، وصلت النسبة إلى 60%، وهو ما اعتبرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية تهديدًا خطيرًا للاستقرار الدولي. اقتصاديًا، أدت العقوبات إلى تراجع الإيرادات النفطية بنسبة 70%، مما اضطر الحكومة الإيرانية إلى زيادة الضرائب ورفع أسعار الوقود بنسبة 300% في نوفمبر 2019، وهو ما أشعل احتجاجات شعبية واسعة.
لمفاوضات المتعثرة – بين فيينا وروما
مع انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، انطلقت في 2022 محادثات لإحياء الاتفاق النووي في فيينا، لكنها انهارت في ديسمبر بسبب مطالبة إيران بضمانات لرفع العقوبات، وهو ما رفضته واشنطن. في مايو 2025، اختتمت الجولة الخامسة من المباحثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في روما، حيث وصفها الجانب الإيراني بأنها كانت “الأكثر مهنية”، فيما وصفتها واشنطن بأنها “بناءة ولكن محدودة التقدم”.
تداعيات سياسية واقتصادية – لعبة التوازن الإقليمي
في ظل استمرار التصعيد، أعلنت طهران في مايو 2025 أنها تتحرك وفق “مصالحها الوطنية”، رافضة أي إملاءات دولية بشأن أنشطتها النووية، بحسب تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي. إقليميًا، شكلت الأزمة النووية دافعًا لدول الخليج لتعزيز التعاون الأمني مع الغرب، حيث وقّعت السعودية والإمارات اتفاقيات دفاعية جديدة مع واشنطن في مارس 2025، خوفًا من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
سيناريوهات المستقبل – تصعيد أم حل وسط؟
يبقى الملف النووي الإيراني أحد أكثر القضايا الجيوسياسية تعقيدًا، حيث يواجه العالم خيارين:
- التوصل إلى اتفاق جديد يعيد إيران إلى الالتزام النووي ويحفظ مصالحها الاقتصادية.
- تصعيد أكبر قد يؤدي إلى فرض عقوبات أشد أو حتى مواجهة عسكرية محدودة في الخليج.
مستقبل معقد بين السياسة والاقتصاد الملف النووي الإيراني لم يعد مجرد قضية دبلوماسية، بل أصبح عاملًا رئيسيًا في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية. بين العقوبات الاقتصادية التي أضعفت الاقتصاد الإيراني، والمخاوف الأمنية الإقليمية التي دفعت دول الخليج إلى تعزيز تحالفاتها مع الغرب، يظل المشهد غامضًا ومفتوحًا على عدة سيناريوهات.
مع استمرار الجمود في المفاوضات النووية، يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي الضغط الدولي إلى اتفاق جديد يعيد إيران إلى الالتزام النووي، أم أن التصعيد سيصل إلى نقطة اللاعودة، مما يدفع المنطقة نحو مواجهات أكثر تعقيدًا؟ في هذا السياق، يبدو أن مستقبل هذا الملف لن يُحسم فقط عبر المباحثات السياسية، بل أيضًا عبر التغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية، التي قد تجبر الجميع على إعادة الحسابات وفق مصالحهم الاستراتيجية.