في المشهد السياسي الأمريكي، نادرًا ما يبرز سياسي يحمل مزيجًا من الكاريزما القانونية والمواقف الأيديولوجية الصلبة كما هو الحال مع تيد كروز—السيناتور عن ولاية تكساس، والمحامي السابق في المحكمة العليا، ومرشح رئاسي سابق يتقن التنقل بين دهاليز واشنطن وتيارات اليمين المتشدد.
ولد رافاييل إدوارد “تيد” كروز عام 1970 في كندا لأب كوبي منفي وأم أمريكية، ما منحه الجنسية منذ ولادته. كانت بدايته القانونية واعدة: درس في برنستون وهارفارد، ثم تولّى مهام بارزة كمساعد قانوني في المحكمة العليا الأمريكية، وأصبح أول أمريكي من أصل لاتيني يشغل منصب المحامي العام في تكساس، حيث دافع في أكثر من 30 قضية أمام المحكمة العليا.
لكن طموحه لم يقف عند أبواب القانون.
من القانون إلى القاعة الكبرى: الدخول إلى السياسة
عام 2012، فاجأ كروز الجميع بفوزه بمقعد مجلس الشيوخ بعد هزيمة مرشح الحزب الحاكم. منذ لحظاته الأولى، تبنّى نهجًا تصادميًا مع كل ما هو مؤسسي. عارض أوباما، وهاجم البيروقراطية، ووقف ضد التسويات السياسية، ما أكسبه سمعة بأنه “الصوت الأوضح لليمين المتشدد”.
وفي عام 2016، قفز إلى الساحة الكبرى بترشحه للرئاسة، حيث كان أبرز منافسي دونالد ترامب، إلى أن انسحب بعد مواجهة مريرة في الانتخابات التمهيدية.
الضغط الأقصى: كروز في ملف إيران
رغم أنه لم يُعيّن في إدارة ترامب، إلا أن بصماته كانت حاضرة بقوة في السياسات التي انتهجتها واشنطن تجاه طهران. كان من بين أبرز من طالبوا بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ملوّحًا بما أسماه “خطر شرعي لامتلاك طهران للسلاح النووي”.
طالب بفرض عقوبات مشددة على القطاع النفطي والمصرفي الإيراني، وهاجم كل محاولات منح إعفاءات تجارية، معتبرًا أنها تضعف الضغط الاستراتيجي وتمنح طهران قبلة الحياة. وقد وصفه أحد المعلقين في واشنطن بأنه “رأس الحربة القانونية في الحرب السياسية ضد إيران”.
كما وجّه كروز انتقادات لاذعة لأي محاولة للانخراط الدبلوماسي مع النظام الإيراني، معتبرًا أن التفاوض معه “يعادل التساهل مع العدو”.
تحالفه مع إسرائيل.. ودوره في التأجيج الإقليمي
يعد كروز من أشد حلفاء اللوبي المؤيد لإسرائيل في الكونغرس، ويُنظر إليه كشخصية رئيسية في دفع إدارة ترامب نحو قرارات مثل نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بالجولان أرضًا إسرائيلية.
وعند اشتداد التصعيد الإسرائيلي الإيراني عام 2025، ظهر كروز في أكثر من مناسبة إعلامية يؤكد أن الرد الإسرائيلي حق مشروع، وأن إيران يجب أن تُردع بالقوة لا بالاتفاقيات.
لكن مواقفه قوبلت بانتقادات من داخل تيار اليمين ذاته، لا سيما بعد تصريحاته حول “ضرورة تغيير النظام في إيران”، والتي عدّها الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون دعوة غير محسوبة قد تجرّ الولايات المتحدة إلى حرب مكلفة لا تخدم الشعب الأمريكي.
استراتيجية مزدوجة: تشدّد في الخارج.. وتحالفات في الداخل
عرف كروز كيف ينسج تحالفات ذكية داخل الكونغرس، خاصة مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية والميزانية، لضمان استمرار التمويل لبرامج الأسلحة الدقيقة والسياسات الردعية. في ذات الوقت، لم يتوقف عن شنّ حملات إعلامية ضد “ضعف الديمقراطيين”، مستخدمًا تعبيرات مباشرة مثل “سياسة التهدئة” و”استرضاء الطغاة”.
وبينما يرى فيه البعض محرضًا على الصراع الدولي، فإن مؤيديه يصفونه بأنه مدافع شرس عن المصالح الأمريكية العليا وعن الحلفاء التقليديين.
لماذا تيد كروز الآن؟
وسط التحولات المتسارعة في الجغرافيا السياسية، من الطبيعي أن يعود اسم كروز إلى الواجهة. فهو من الشخصيات التي لا تغيب طويلًا عن دائرة التأثير، ويُعتقد أنه يسعى إما إلى الترشح مجددًا للرئاسة، أو على الأقل قيادة الدفة التشريعية في أي إدارة جمهورية قادمة.
كما أن مواقفه المتشددة تجاه طهران تجد صدى لدى قطاعات واسعة من النخبة السياسية والأمنية، خصوصًا في ظل تفاقم التهديدات الإقليمية وعودة ملف البرنامج النووي الإيراني إلى واجهة الأحداث.
اللاعب الذي لم يغادر
قد يراه البعض مثيرًا للجدل، لكنه لا شك جزءٌ لا يمكن تجاهله من المعادلة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. تيد كروز ليس مجرد سيناتور، بل مفكر استراتيجي بقفاز أيديولوجي، يرى في القوة أداة للردع، وفي العقوبات وسيلة للترويض، وفي إيران خصمًا لا يمكن التفاوض معه.
في المشهد الأمريكي المعقّد، كروز هو الصقر الذي يراقب من علوّ، ولا يتردد في الانقضاض عند أول فرصة.