دروز وعلويون وأكراد: الطوائف السورية بين مطرقة الأزمة وسندان إسرائيل

الأقليات في قلب الحسابات الإقليمية

تزامن القصف الجوي الإسرائيلي الأخير قرب دمشق مع تصعيد في الخطاب الإعلامي حول حماية الدروز، ما أعاد إلى الواجهة ملف علاقة إسرائيل بالأقليات السورية. بينما تعتبر إسرائيل أن هذه السياسات جزء من استراتيجيتها الأمنية، تثار تساؤلات حول طبيعة هذا الانخراط وحدوده، ومدى تأثيره على المشهد السوري المعقّد بطبيعته الطائفية والجغرافية.

الخلفية التاريخية: سياسة إسرائيل تجاه الأقليات

منذ تأسيس الدولة العبرية، اعتمدت إسرائيل مقاربة تركز على تفكيك الدول المحيطة بها إلى مكونات طائفية وعرقية متعددة. تجربة العلاقة مع الموارنة في لبنان خلال الثمانينيات تمثل واحدة من أبرز الأمثلة، حيث سعت إسرائيل إلى بناء تحالفات مع جماعات أقلوية لتعزيز نفوذها الإقليمي. هذا النموذج ظل حاضرًا في المقاربة الإسرائيلية تجاه ملفات مشابهة في المنطقة، ومن ضمنها الملف السوري.

الدروز: حالة تداخل معقدة

تاريخيًا، يُعرف الدروز في سوريا بمواقفهم الوطنية، وتجسد ذلك في مشاركتهم في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش. غير أن وجود جزء من الطائفة الدرزية في الأراضي السورية المحتلة أوجد حالة من التداخل، حيث يشارك الدروز هناك في مؤسسات دولة الاحتلال.

مع تصاعد الأزمة السورية، رُصدت مؤشرات على محاولات إسرائيلية لاستثمار هذه الروابط، سواء عبر دعم إنساني أو عبر تحركات عسكرية تُبرر بحماية الطائفة. عام 2025 شهد تنفيذ إسرائيل غارة جوية قرب صحنايا، قيل إنها استهدفت مجموعة تهدد مناطق درزية، إضافة إلى إرسال مساعدات إنسانية للسويداء.

العلويون: موقع حساس وتفاعلات محدودة

ارتبطت الطائفة العلوية بالنظام السوري لعقود، ما جعلها محورًا رئيسيًا في معادلات السلطة. بعد تغير المشهد السياسي في سوريا، ظهرت تقارير تتحدث عن رسائل غير رسمية وجهها أفراد من الطائفة إلى إسرائيل يطلبون فيها ضمانات أمنية. ورغم هذه المؤشرات، لم تُسجل حتى الآن أي علاقات معلنة أو رسمية، وما زال التفاعل محصورًا في نطاق غير معلن يقتصر على الاتصالات الفردية أو المناشدات المحدودة.

المسيحيون: موقف محافظ وحياد تقليدي

الطائفة المسيحية في سوريا، والتي تضم الأرثوذكس والكاثوليك وغيرهم، عُرفت تاريخيًا بمواقفها الحيادية، وغالبًا ما فضّلت البقاء ضمن الدولة السورية. خلال مراحل الأزمة، لم تظهر مؤشرات على أي تعاون مباشر مع إسرائيل، رغم محاولات تل أبيب توظيف خطاب حماية الأقليات في المحافل الدولية. ويظل موقف المسيحيين السوريين في مجمله بعيدًا عن أي انخراط في تحالفات خارجية.

الإسماعيليون: حضور سياسي محدود

تتركز الطائفة الإسماعيلية في مدينة السلمية وبعض مناطق ريف حماة، وتاريخيًا اتسمت باعتدالها. رغم تعرضها لضغوط خلال الأزمة، لم تُسجل مؤشرات على وجود علاقات أو تواصل بين الطائفة وإسرائيل. وظل موقفها مقتصرًا على التحركات المحلية لضمان الأمن والاستقرار المجتمعي دون الاصطفاف مع أي محور خارجي.

الأكراد: توازنات دقيقة وعلاقات غير معلنة

علاقة إسرائيل مع الأكراد تعود إلى ستينيات القرن الماضي، لا سيما في شمال العراق، وتطورت في السنوات الأخيرة مع صعود القوى الكردية المسلحة في سوريا. رغم أن الدعم المعلن للأكراد جاء من الولايات المتحدة، فإن مصادر متعددة تحدثت عن اهتمام إسرائيلي بهذه القوى كجزء من إستراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى إضعاف الدول المركزية. مع ذلك، لم تظهر أي علاقات دبلوماسية أو سياسية رسمية بين الجانبين حتى الآن.

المقاربة الأمنية الإسرائيلية: الطائفة كأداة استراتيجية

تستند العقيدة الأمنية الإسرائيلية إلى مبدأ الحفاظ على التفوق عبر خلق بيئة إقليمية تتسم بالتجزئة الطائفية والإثنية. وفق تقارير بحثية عديدة، ترى إسرائيل في الأقليات شركاء محتملين في إدارة التوازنات داخل الدول المجاورة، بهدف ضمان استمرار حالة الضعف البنيوي فيها. ورغم أن هذه السياسات لم تُعلن دائمًا بشكل مباشر، فإنها تتجلى في خطوات عملية، مثل الدعم الإنساني الانتقائي أو التحركات العسكرية المحددة.

منظور استراتيجي: إعادة إنتاج النماذج السابقة

تجارب إسرائيل السابقة، خاصة في لبنان والعراق، أظهرت نمطًا متكررًا يعتمد على بناء تحالفات ظرفية مع الأقليات بما يخدم الأهداف الأمنية الإسرائيلية. في الحالة السورية، يبدو أن هذا النمط يتكرر بأساليب تتلاءم مع خصوصيات المشهد السوري، مع اختلاف في مدى انخراط كل طائفة ومستوى تجاوبها مع هذه السياسات.

حدود العلاقة وتعقيد المشهد السوري

يبقى ملف علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا معقدًا ومتشابكًا، تحكمه اعتبارات جغرافية وسياسية وطائفية متداخلة. بينما تسعى إسرائيل إلى توظيف هذه الورقة ضمن إستراتيجيتها الأمنية، تظل حدود هذه العلاقة مرهونة بتطورات المشهد السوري الداخلي وقدرة الأطراف المختلفة على إدارة توازناتها بين البُعد الوطني والتحديات الإقليمية.

شارك هذه المقالة
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *