في خطوة استراتيجية تعزز العلاقات الاقتصادية المصرية القطرية وتدفع بعجلة التنمية في مصر، تم الإعلان عن شراكة ضخمة لتطوير مشروع عقاري وسياحي متكامل في منطقة الساحل الشمالي. شركة “الديار القطرية”، الذراع العقارية لجهاز قطر للاستثمار، تقود هذا المشروع باستثمارات إجمالية تقارب 30 مليار دولار، مما يجعله أحد أكبر الاستثمارات الأجنبية في تاريخ مصر الحديث. هذا المقال يغوص في تفاصيل الصفقة، أبعادها الاقتصادية، وتأثيرها المستقبلي على خريطة السياحة والاستثمار في المنطقة.
تفاصيل الصفقة الضخمة للديار القطرية
لا يمكن فهم حجم هذا المشروع إلا من خلال أرقامه. الصفقة الموقعة بين شركة الديار القطرية وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر ترسم ملامح مدينة عالمية جديدة على ساحل البحر المتوسط. تمتد المدينة على مساحة شاسعة تبلغ 4900 فدان (حوالي 19.85 مليون متر مربع) في منطقة “علم الروم” بمحافظة مطروح.
يتوزع إجمالي الاستثمار البالغ 29.7 مليار دولار على النحو التالي:
- 3.5 مليار دولار: دفعة نقدية مباشرة مقابل الحصول على الأرض.
- 26.2 مليار دولار: استثمارات عينية سيتم ضخها في تطوير وبناء المشروع على مدار خمس سنوات.
هذا النموذج الاستثماري لا يوفر سيولة نقدية فورية للخزانة المصرية فحسب، بل يضمن أيضًا التزاماً طويل الأجل بتطوير المنطقة بأكملها، مما يخلق قيمة مضافة مستدامة تتجاوز مجرد بيع الأراضي.
رؤية لمدينة متكاملة على ساحل المتوسط
يهدف المشروع إلى تحويل منطقة علم الروم من مجرد شريط ساحلي غير مطور إلى وجهة عالمية تعمل على مدار العام. الرؤية تتجاوز بناء منتجع سياحي تقليدي لتؤسس لمدينة متكاملة الخدمات، على غرار مشروع “رأس الحكمة” العملاق. تشمل مكونات المشروع الرئيسية:
- مكونات سياحية فاخرة: فنادق عالمية، مراسٍ لليخوت (مارينا)، وملاعب جولف.
- أحياء سكنية راقية: توفر خيارات سكنية متنوعة تلبي احتياجات مختلفة.
- بنية تحتية تعليمية وصحية: مدارس، جامعات، ومرافق صحية على أعلى مستوى.
- مرافق حكومية وخدمية: لضمان عمل المدينة بشكل مستقل ومتكامل.
هذه الرؤية تتماشى مع استراتيجية مصر الطموحة لتنمية الساحل الشمالي الغربي، وتحويله من وجهة صيفية موسمية إلى مركز جذب استثماري وسياحي وسكني دائم.
من هي “الديار القطرية”؟ القوة الدافعة وراء المشروع
تأسست شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري في عام 2005 كذراع استثماري عقاري لجهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي لدولة قطر. منذ تأسيسها، بنت الشركة سمعة عالمية في تطوير مشاريع أيقونية تتجاوز المعايير التقليدية. برأس مال يتجاوز 8 مليارات دولار، تدير الشركة حاليًا أكثر من 50 مشروعًا قيد التطوير في 20 دولة حول العالم.
وجود “الديار” في مصر ليس جديدًا، حيث تمتلك الشركة استثمارات قائمة تشمل مشاريع بارزة مثل فندق “سانت ريجيس القاهرة”، ومشروعي “سيتي جيت” و “نيو جيزة” السكنيين. هذا المشروع الجديد في الساحل الشمالي يمثل أكبر استثمارات الشركة في مصر حتى الآن، مما يعكس ثقتها العميقة في مستقبل الاقتصاد المصري.
التأثير الاستراتيجي: دفعة قوية للاقتصاد والسياحة في مصر
“هذه الصفقة تجسد ثقة المستثمرين العرب في الاقتصاد المصري، وتسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير فرص عمل جديدة.” المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري.
يأتي هذا الاستثمار في توقيت حاسم لمصر، حيث تسعى الحكومة جاهدة لجذب العملة الصعبة وتعزيز مواردها الدولارية. التأثيرات المتوقعة للمشروع متعددة الأوجه:
- تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر: يرسل المشروع رسالة قوية للمستثمرين الدوليين حول جاذبية السوق المصري، خاصة بعد صفقة رأس الحكمة.
- دعم قطاع السياحة: يساهم المشروع بشكل مباشر في تحقيق هدف مصر المتمثل في الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا، من خلال توفير منتج سياحي فاخر وجديد.
- خلق فرص عمل: من المتوقع أن يوفر المشروع آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة خلال مراحل الإنشاء والتشغيل.
- تنمية إقليمية: سيؤدي تطوير منطقة علم الروم إلى إحداث طفرة تنموية في محافظة مطروح والساحل الشمالي الغربي بأكمله.
في الختام، لا يمثل مشروع الديار القطرية مجرد صفقة عقارية، بل هو شراكة استراتيجية طويلة الأمد تعكس عمق العلاقات المصرية القطرية المتنامية. إنه استثمار في المستقبل، يهدف إلى وضع مصر على خريطة الوجهات السياحية والاستثمارية الأكثر تنافسية في العالم، وتحويل رمال الساحل الشمالي إلى منارة للنمو والازدهار. وفقًا لرويترز، من المتوقع أن يدر المشروع إيرادات سنوية لا تقل عن 1.8 مليار دولار بعد اكتماله، مما يضمن عوائد مستدامة للاقتصاد المصري.