
كابول – إعداد وحدة التحقيقات الدولية | منصة 29
لأكثر من عقدين، كان افيون افغانستان هوية لها. الحقول الممتدة في الجنوب والغرب كانت تغذّي سوق الهيروين العالمي وتوفّر مصدر دخل لملايين الأسر الريفية، فيما كانت تموّل أيضًا اقتصاد الحرب.
لكن بعد ثلاث سنوات على قرار طالبان حظر زراعة الخشخاش، يبدو أن فصلًا جديدًا من تاريخ البلاد بدأ يكتب ببطء، وبثمن باهظ.
أفيون أفغانستان سيختفي “قريباً”
يقول تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إن مساحة الأراضي المزروعة بالأفيون في أفغانستان تقلّصت بنسبة 20% خلال عام واحد، فيما تراجع إجمالي الإنتاج بنسبة 32%.
هذا التراجع هو الأكبر منذ أن بدأت الأمم المتحدة مراقبة زراعة المخدرات في البلاد قبل أكثر من عقدين.
قبل الحظر الذي أعلنته طالبان عام 2022، كانت أفغانستان تنتج أكثر من 80% من الأفيون العالمي، فيما كانت مشتقاته تمثّل نحو 95% من سوق الهيروين في أوروبا. واليوم، تُقدَّر المساحة المزروعة بنحو 10 آلاف هكتار فقط بعد أن تجاوزت 200 ألف هكتار قبل الحظر.
“إنه تحول تاريخي في سوق المخدرات العالمية”، يقول التقرير. “لم نشهد انخفاضًا بهذه الحدة في أي بلد من قبل”.
إرغام الأرض على الصمت
في ولايات مثل هلمند وقندهار، التي كانت يومًا مركز تجارة الخشخاش في العالم، أصبحت الحقول خالية.
تؤكد الأمم المتحدة أن نحو 40% من الأراضي الزراعية تُركت بورًا هذا العام. فالمزارعون لم يجدوا بديلاً اقتصاديًا مجديًا، ولا دعمًا حكوميًا فعّالًا لتعويض خسائرهم.
فبينما تُعدّ زراعة الحبوب شرعية، إلا أن الأفيون يبقى أكثر ربحية بعشرة أضعاف.
خريطة جديدة للأفيون في افعانستان
التقرير الأممي يصف ما يحدث بأنه “انتصار ديني” لطالبان، لكنه “كارثة اقتصادية” للريف الأفغاني.
ففي الوقت الذي تراجعت فيه زراعة الخشخاش، شهدت البلاد ارتفاعًا حادًا في إنتاج المخدرات الصناعية مثل الميثامفيتامين، حيث ارتفعت عمليات الضبط بنسبة 50% خلال عام 2024 وحده.
ويقول التقرير إن “شبكات الجريمة المنظمة وجدت في المواد الصناعية بديلاً مثاليًا، لأنها أسهل إنتاجًا، ولا تتطلب أراضي زراعية ولا تخضع لتقلبات المناخ”.
بهذا، تحولت أفغانستان من أكبر مصدر طبيعي للمخدرات إلى مختبر لتصنيع السموم الحديثة.
“أفيون افغانستان”.. بين الشرع والدخل
بالنسبة لطالبان، الحظر مسألة عقيدة. فقد قال الزعيم الأعلى هيبة الله أخوند زاده إن “الأفيون سمّ يهلك الأرواح ويغضب الله”.
لكن بالنسبة للفلاحين، المسألة حساب بقاء.
“لم نزرع الأفيون لأننا نحبّه، بل لأننا نعيش منه”، يقول مزارع آخر. “الآن نعيش بلا شيء”.
وبين الخطابين – الديني والاقتصادي – تتكشف مأساة أعمق: بلد يواجه فراغًا ماليًا، ومجتمعًا يواجه الجوع، وسوقًا عالمية تبحث عن بديل لمخدرها الأكثر رواجًا.
العالم بعد أفيون افغانستان
اختفاء الأفيون الأفغاني من الأسواق العالمية قد يغيّر خريطة تجارة المخدرات بأكملها.
في أوروبا، تشير تقارير شرطية إلى ارتفاع أسعار الهيروين بنسبة تتجاوز 45% خلال الأشهر الأخيرة، فيما بدأت شبكات التهريب بالاتجاه إلى ميانمار وإيران كمصادر بديلة.
ويحذّر محللون من أن نجاح طالبان في كبح زراعة الخشخاش “قد يترجم إلى أزمة إنسانية”، ما لم يترافق مع دعم دولي مباشر لبدائل اقتصادية للمزارعين.
نصرٌ بلا بدائل
في الظاهر، تبدو طالبان وقد أنجزت ما فشل فيه المجتمع الدولي خلال عقدين: تفكيك أكبر منظومة أفيون في العالم.
لكن على الأرض، يواجه ملايين الأفغان سؤالًا لم يجدوا له إجابة:
هل يمكن تجفيف الحقول دون أن تجفّ الحياة؟