رحل في سبتمبر 2025 بعد مسيرة دينية امتدت لأكثر من أربعة عقود
النشأة والتكوين العلمي
وُلد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في مكة المكرمة يوم 30 نوفمبر 1943، من أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب. فقد والده وهو في الثامنة، وحفظ القرآن على يد الشيخ محمد بن سنان. درس على يد كبار العلماء مثل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز، وقرأ كتب التوحيد والفقه والنحو والفرائض. التحق بمعهد إمام الدعوة العلمي عام 1954، ثم بكلية الشريعة بالرياض وتخرج عام 1964. بدأ حياته العملية مدرسًا، ثم أستاذًا مشاركًا في كلية الشريعة، وأشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمعهد العالي للقضاء.
المناصب الدينية والخطابية
تدرّج في المناصب حتى عُيّن مفتيًا عامًا للمملكة عام 1999 بأمر ملكي، خلفًا للشيخ عبد العزيز بن باز. شغل منصب نائب المفتي بين 1996 و1999، وكان عضوًا في هيئة كبار العلماء منذ 1987. تولّى الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم، ثم الجامع الكبير بالرياض، ثم جامع الإمام تركي بن عبد الله. أبرز محطاته كانت خطابة مسجد نمرة بعرفة من 1982 حتى 2015، ليصبح أطول خطيب عرفات في تاريخ الأمة الإسلامية. شارك في برامج دينية مثل “نور على الدرب”، وكان له حضور قوي في المحافل العلمية والندوات الشرعية.
أبرز الفتاوى والمواقف الشرعية
أصدر فتاوى حاسمة دعمت استقرار المملكة، أبرزها تحذيره من الاحتجاجات في الدول العربية عام 2011، واعتبرها مؤامرات لتقسيم الأمة. أفتى بتحريم الإرهاب والتكفير، ودعا إلى طاعة ولي الأمر، وحذّر من الجماعات المتطرفة. دعم جهود الدولة في مكافحة المخدرات، وأفتى بجواز استخدام التقنية الحديثة في الدعوة والتعليم. أفتى بجواز مشاركة المرأة في التعليم والعمل وفق الضوابط الشرعية. هذه الفتاوى عزّزت دور المؤسسة الدينية كحليف استراتيجي للدولة، ورسّخت خطاب الاعتدال والوسطية.
مساهماته في التعليم والدعوة
درّس في كلية الشريعة والمعهد العالي للقضاء، وأشرف على عشرات الرسائل العلمية. شارك في تأسيس كرسي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ للدراسات الفقهية المعاصرة في المجال الطبي. ألقى آلاف الدروس والمحاضرات، وشارك في الندوات داخل المملكة وخارجها. أسلوبه اتسم بالوضوح والابتعاد عن التعقيد، مع التركيز على العقيدة الصحيحة والفقه العملي. مؤلفاته تشمل: “كتاب الله عز وجل ومكانته العظيمة”، “حقيقة شهادة أن محمدًا رسول الله”، “الجامع لخطب عرفة”، وسلسلة “فتاوى نور على الدرب” في العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والحج.
أثره في الدولة والمجتمع
كان صوتًا دينيًا رسميًا يعكس توجهات الدولة، ويؤطّرها شرعيًا. دعّم رؤية المملكة في محاربة التطرف، وساند جهودها في تعزيز الوسطية. أفتى بجواز خطوات التحديث التي لا تتعارض مع العقيدة، وشارك في تهدئة الأزمات عبر خطبه وفتاواه. أثره امتد إلى الإعلام، حيث كان مرجعًا للفتوى في الصحف والبرامج الرسمية. برحيله، تفقد المملكة أحد أعمدتها الشرعية، وتُفتح صفحة جديدة في قيادة المؤسسة الدينية وسط تحديات فكرية واجتماعية متجددة.