اعتمد مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر قرارًا غير مسبوق بشأن نزاع الصحراء الغربية، اعتبره مراقبون تحولًا تاريخيًا في مسار واحد من أطول النزاعات في القارة الإفريقية.
فالقرار يرسخ مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بوصفها الأساس الواقعي للتسوية، ويفتح الباب أمام مرحلة تفاوضية جديدة بين الأطراف، بعد خمسة عقود من الجمود السياسي.
- قرار يحسم نصف قرن من الغموض
- مضمون القرار: الحكم الذاتي كأساس تفاوضي
- الرباط: “انتصار دبلوماسي تاريخي”
- الجزائر: امتناع يثير الجدل الداخلي
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: دعم صريح للحل المغربي
- البوليساريو: رفض مشروط واستعداد للحوار
- المينورسو والمرحلة الانتقالية
- انعكاسات القرار على المنطقة
- نافذة أخيرة للسلام
قرار يحسم نصف قرن من الغموض
منذ انسحاب إسبانيا من الصحراء عام 1975، ظل الإقليم محور نزاع بين المغرب، الذي يعتبره جزءًا من أراضيه، وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، التي تطالب بالاستقلال.
ورغم إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) عام 1991، فشل المجتمع الدولي في تنفيذ استفتاء تقرير المصير، لتبقى المنطقة معلقة بين وقف إطلاق نار هشّ، وتنافس سياسي ودبلوماسي محتدم.
القرار الجديد، الذي أقره المجلس بأغلبية واسعة، جاء بعد تحولات ملحوظة في مواقف الدول دائمة العضوية، لاسيما واشنطن وباريس ومدريد، التي رأت في مقترح الحكم الذاتي المغربي “حلاً عمليًا قابلًا للتطبيق”.
مضمون القرار: الحكم الذاتي كأساس تفاوضي
ينص القرار على أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها الرباط عام 2007 تمثل “الإطار الجدي والواقعي الوحيد” لحل النزاع، داعيًا إلى مفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليساريو بمشاركة الجزائر وموريتانيا كمراقبين.
وتقضي المبادرة بمنح سكان الإقليم صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية، وانتخاب برلمان جهوي يمثل القبائل والسكان، في حين تحتفظ الدولة المركزية بملفات الدفاع والأمن والعلاقات الخارجية.
ويتعهد المغرب، وفق خطاب الملك محمد السادس عقب التصويت، بتفصيل المبادرة وتحيينها لتقديمها مجددًا للأمم المتحدة باعتبارها الأساس الوحيد للتفاوض.
الرباط: “انتصار دبلوماسي تاريخي”
رحبت الرباط بالقرار واعتبرته اعترافًا أمميًا ضمنيًا بسيادتها على الإقليم.
وقالت وزارة الخارجية المغربية إن القرار “يكرّس الجهود الجادة للمملكة في التوصل إلى حلّ سياسي قائم على الواقعية والتوافق”.
وفي مدن الصحراء، خرجت مسيرات احتفالية رفع خلالها السكان الأعلام الوطنية ورددوا شعارات تؤكد “مغربية الصحراء”.
محللون وصفوا القرار بأنه تحوّل دبلوماسي لصالح المغرب، خاصة أن الجزائر — الداعم الرئيسي للبوليساريو — لم تشارك في التصويت هذه المرة، في إشارة فسّرها مراقبون بأنها بداية تغير في مقاربة الجزائر للنزاع.

الجزائر: امتناع يثير الجدل الداخلي
في الجزائر، أثار الموقف الرسمي انقسامًا بين المراقبين والإعلاميين.
فقد انتقد صحفيون مثل سليم صالحي امتناع بلادهم عن المشاركة، واعتبروه “تراجعًا في السياسة الخارجية” و”خسارة لرهان الفيتو الروسي–الصيني”، بينما دافع آخرون عن الخيار بوصفه موقفًا متزنًا يجنّب الجزائر عزلة دبلوماسية.
ويرى محللون أن تزايد الضغوط الإقليمية والدولية، إلى جانب الخسائر الاقتصادية الناتجة عن استمرار إغلاق الحدود مع المغرب منذ 1994، قد يدفع الجزائر نحو مقاربة أكثر براغماتية في المرحلة المقبلة.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: دعم صريح للحل المغربي
الولايات المتحدة، صاحبة مشروع القرار، أكدت مجددًا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي أعلنته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في 2020.
وقال مستشاره للشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولوس، إن “الرباط أبدت استعدادًا واضحًا للحوار والتسوية، وواشنطن ترى أن الوقت حان لإنهاء الصراع”.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد عبّر من خلال باريس ومدريد عن دعم مماثل، معتبرًا أن “الحكم الذاتي يمثل الإطار الأكثر واقعية واستقرارًا للمنطقة”.
وتعدّ إسبانيا — المستعمر السابق للإقليم — من أبرز المؤيدين الجدد للموقف المغربي منذ 2022.
البوليساريو: رفض مشروط واستعداد للحوار
في المقابل، أكدت جبهة البوليساريو في بيان لها بعد التصويت “تمسك الشعب الصحراوي بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال”، لكنها أعربت عن “الاستعداد للتعاطي البنّاء مع المسار السلمي الذي ترعاه الأمم المتحدة”.
ويرى خبراء أن هذا الموقف “يمزج بين الرفض والمناورة”، إذ تحاول الجبهة الحفاظ على تماسكها الداخلي وعدم خسارة دعم الجزائر، في وقت يتزايد فيه الاعتراف الدولي بالمقاربة المغربية.
المينورسو والمرحلة الانتقالية
مدّد مجلس الأمن ولاية بعثة المينورسو لعام إضافي، لتواكب التحول نحو مفاوضات مباشرة حول الحكم الذاتي، في وقت تتزايد فيه الدعوات لإعادة تعريف دورها من “مراقبة الاستفتاء” إلى “ضمان الاستقرار ومواكبة الحل السياسي”.
دبلوماسي أممي قال لـ«منصة ٢٩» إن “المرحلة المقبلة تتطلب إعادة هيكلة المينورسو لتصبح منصة دائمة للحوار وضمان التزامات الأطراف”.
انعكاسات القرار على المنطقة
يرى محللون أن القرار قد يشكل نقطة انطلاق جديدة للعلاقات المغربية الجزائرية إذا استُثمر في سياق إقليمي بنّاء.
كما أنه يفتح الباب أمام استثمارات كبرى في الصحراء التي تشهد مشاريع موانئ وطرق لوجستية ومناطق حرة تربط أفريقيا بالمحيط الأطلسي.
ويحذر خبراء من أن فشل الأطراف في ترجمة القرار إلى خطوات عملية قد يعيد النزاع إلى نقطة الصفر، في ظل استمرار وجود السلاح واللاجئين في تندوف، والانقسامات الداخلية داخل جبهة البوليساريو.

نافذة أخيرة للسلام
قرار مجلس الأمن لا ينهي النزاع بعد نصف قرن من الخلاف، لكنه يفتح نافذة نادرة للحل ضمن مقاربة تجمع بين الواقعية السياسية والسيادة الوطنية والضمانات الدولية.
نجاح المبادرة مرهون بقدرة الأطراف على تحويل النصوص إلى تفاهمات، وتغليب لغة المصلحة الإقليمية على منطق المكاسب الآنية.
كما كتب أحد المحللين في الرباط:
“القرار ليس نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية… والامتحان الآن في التنفيذ.”