أكد قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان انسحاب قواته من مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في غرب البلاد. بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المدينة. في خطوة تمثل تحولاً محورياً في مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

إعلان الانسحاب بعد دمار واسع
وفي خطاب متلفز بث مساء الأحد، قال البرهان إنه وافق على الانسحاب “درءاً لمزيد من الدمار في المدينة والحماية المدنيين”. مضيفاً أنه توصل إلى اتفاق مع القيادات المحلية يقضي بخروج القوات إلى “مكان آمن لتجنيب الفاشر مصيراً مشابهاً لما شهدته مدن دارفور الأخرى”.
وأشار إلى أن القرار جاء بعد ما وصفه بـ“القتل المنهجي وتدمير الأحياء السكنية على يد قوات الدعم السريع”. متعهداً بمواصلة القتال لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السودانية.
“سنواصل الدفاع عن الوطن حتى يُطهَّر من الخونة والعملاء، وسنقلب الموازين كما فعلنا من قبل”.
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان
تقارير عن فظائع وانتهاكات في حرب السودان
في المقابل، أثارت الأمم المتحدة مخاوف من وقوع انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين في المدينة. التي كانت تشهد منذ أسابيع معارك طاحنة بين الطرفين.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه يشعر بـ“قلق بالغ” إزاء التقارير الواردة من شمال دارفور. داعياً إلى تأمين ممرات آمنة للمدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وأضاف أن الفاشر “كانت مركزاً لمعاناة إنسانية غير مسبوقة خلال 18 شهراً من الحصار، حيث تفشت المجاعة والأمراض والعنف العرقي”.
وأوضحت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن “عدد الانتهاكات ذات الطابع العرقي في المدينة آخذ بالتصاعد”. مشيرة إلى أن “المحاسبة هي السبيل الوحيد لمنع تكرار الفظائع”.
أما قوات الدعم السريع، فقد نفت اتهامات قتل المدنيين، مؤكدة أن عملياتها “تستهدف مواقع عسكرية فقط”.

انهيار آخر خطوط الجيش في دارفور
يمثل سقوط الفاشر — عاصمة ولاية شمال دارفور — أكبر انتكاسة للجيش السوداني منذ بدء الحرب في أبريل 2023، إذ أصبحت جميع عواصم ولايات الإقليم الخمس الآن تحت سيطرة الدعم السريع.
وتعزز هذه السيطرة من واقع “الانقسام الميداني” داخل السودان، حيث تمسك قوات الدعم السريع بزمام الغرب، بينما يحتفظ الجيش بسيطرته على الشرق وأجزاء من الشمال.
ويرى محللون أن التطور يكرّس قيام إدارة موازية في دارفور تشرف عليها قوات الدعم السريع، خاصة مع استمرار عمل مؤسسات خدمية واقتصادية تابعة لها في مدن مثل نيالا وزالنجي والجنينة.
الفاشر… من مركز تجاري إلى مدينة منكوبة
على مدى عام ونصف، كانت الفاشر — التي يقدّر عدد سكانها قبل الحرب بنحو 800 ألف نسمة — تعيش حصاراً خانقاً أدى إلى انهيار الإمدادات الغذائية والطبية وارتفاع معدلات سوء التغذية إلى مستويات “كارثية”، بحسب الأمم المتحدة.
وقال سكان محليون لوسائل إعلام دولية إن “المدينة كانت تُقصف يومياً بالمدفعية الثقيلة”، وإن آلاف العائلات لجأت إلى المدارس والمساجد طلباً للأمان، فيما قُطعت الاتصالات والمياه والكهرباء بشكل شبه كامل.
أبعاد سياسية وعسكرية أوسع لحرب السودان
يُنظر إلى سيطرة الدعم السريع على الفاشر باعتبارها انتصاراً استراتيجياً يعزز موقفها في أي مفاوضات قادمة. ويدفع الجيش إلى إعادة تموضعه في ولايات النيل والشمال الشرقي.
ويرى مراقبون أن الحرب باتت تدخل مرحلة جديدة من “الاستنزاف المتبادل”. مع غياب أي أفق لتسوية سياسية في ظل انهيار مؤسسات الدولة وغياب حكومة مركزية فاعلة.
وقال خبير الشؤون الإفريقية أليكس دي وال في تصريحات لوسائل إعلام بريطانية إن “الفاشر لم تكن مجرد مدينة عادية، بل عقدة رمزية في تاريخ دارفور”. مضيفاً أن “خسارتها قد تُفقد الجيش السيطرة المعنوية على الإقليم بأكمله”.
دارفور على حافة مأساة جديدة
تحذر منظمات الإغاثة الدولية من أن الوضع الإنساني في الإقليم يزداد تدهوراً بسرعة. مع نزوح مئات الآلاف نحو الحدود التشادية، وانقطاع طرق الإمداد عبر الوسط السوداني.
وقالت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان كليمنتين نكويتا سلامي إن “دارفور اليوم على حافة مجاعة واسعة النطاق، والعنف هناك قد يتطور إلى تطهير عرقي ما لم يتم التحرك فوراً”.