في دولة لا تسمح حتى بتصوير شوارعها بحرية، تمكنت سائحة أجنبية من كسر أحد أكثر القوانين صرامة في كوريا الشمالية:
التجول دون مرافقة رسمية..
القصة التي وثقها صانع المحتوى الأمريكي درو بينسكي (Drew Binsky). تحولت إلى مادة تفاعلية عالمية كشفت عن الوجه الخفي للسياحة في أكثر الأنظمة غموضاً على الكوكب.
“الركض في بيونغ يانغ”… الثغرة التي لم يتوقعها أحد
عادةً، يخضع كل سائح في كوريا الشمالية لرقابة مستمرة، ويُمنع تمامًا من مغادرة الفندق دون مرشد حكومي. لكن صديقة درو بينسكي من لاتفيا اكتشفت طريقة غير مسبوقة للتحرك بحرية: الاشتراك في ماراثون بيونغ يانغ الدولي.
في الفيديو الذي نشره بينسكي، ظهرت العداءة وهي تركض في طرقات شبه خالية. تصور العاصمة التي نادرًا ما تُرى بعدسات السياح.
وقالت في المقطع:
“أنا وحدي… لا أحد حولي… المدينة كلها صامتة كأنها لا تتنفس.”
المشهد بدا أقرب إلى لقطة من فيلم عن مدينة مهجورة، لكنه كان حقيقيًا تمامًا.

دولة مغلقة تحاول الانفتاح… لكن بشروطها
رغم الصورة النمطية التي تلازم كوريا الشمالية، تعمل بيونغ يانغ منذ سنوات على بناء صناعة سياحية محدودة ومُتحكم بها.
ومن أبرز مشاريعها الحديثة منتجع “وونسان كالمـا” (Wonsan Kalma) على الساحل الشرقي للبلاد. مدينة شاطئية حديثة تصفها وسائل الإعلام الرسمية بأنها “كنز وطني من فئة الخمس نجوم”.
يضم المنتجع أكثر من 40 فندقًا ومنشأة ترفيهية تمتد على ساحل بطول 4 كيلومترات. مع قدرة استيعابية تصل إلى 20 ألف زائر.
لكن — مثل كل شيء في كوريا الشمالية — الانفتاح انتقائي: المنتجع مفتوح حاليًا للسياح الروس فقط.
تجربة روسية نادرة داخل “الفردوس الممنوع”
المدونة الروسية داريا زوبكوفا كانت من أوائل الزوار الذين دخلوا المنتجع الجديد.
رحلتها بدأت من سانت بطرسبرغ إلى فلاديفوستوك ثم إلى بيونغ يانغ، قبل أن تصل إلى وونسان كالمـا حيث أقامت لعدة أيام.
تقول زوبكوفا:
“لم أشعر بالخوف من المراقبة أو التنصت… التجربة كانت منظمة، لكنها مريحة على نحو غريب.”
ورغم التقارير التي تتحدث عن قيود صارمة على الزوار، أكدت أن الفنادق “حديثة ومجهزة بشكل يفوق التوقعات”، وأن “الحياة داخل المنتجع بدت شبه طبيعية… لكن مع غياب تام للإنترنت والتواصل الخارجي.”
ما وراء الواجهة السياحية
كوريا الشمالية تحاول عبر هذه المشاريع إعادة رسم صورتها كوجهة آمنة ومنظمة، لكنها في الوقت ذاته تفرض تحكمًا كاملاً على حركة السياح والمعلومات.
فالسفر إلى البلاد لا يزال محاطًا بالمخاطر، ليس بسبب الأمن، بل بسبب الرقابة المستمرة التي تحوّل كل زيارة إلى تجربة أشبه بالمراقبة داخل مختبر مغلق.
ومع ذلك، فإن قصص مثل قصة العداءة اللاتفية أو زيارة المدونة الروسية تمنح العالم لمحات نادرة من داخل دولة تعيش خارج الزمن الحديث، حيث تحاول السلطة أن تُظهر انفتاحًا محسوبًا دون أن تفقد سيطرتها المطلقة.

كوريا الشمالية… وجهة بين الأسطورة والرقابة
في بلد تُدار فيه كل التفاصيل، حتى توقيت الوجبات، يُصبح الركض في شارع خالٍ أو التقاط صورة عفوية عملاً استثنائيًا.
لكن هذه المحاولات الصغيرة لكسر القيود تكشف ما لا يمكن للبيانات الرسمية قوله:
أن كوريا الشمالية ما زالت توازن بين الانغلاق السياسي والانفتاح الاقتصادي الحذر، وتستخدم السياحة كأداة دبلوماسية أكثر من كونها صناعة ترفيهية.