أساطيل الظل الإيرانية شركات وهمية وقضايا فساد متشعبة

1. بداية العقوبات كاستجابة لأزمة السفارة (1979–1999)

في نوفمبر 1979، احتجز طلاب إيرانيون 52 دبلوماسيًّا أمريكيًّا في السفارة الأميركية بطهران، فكان رد الولايات المتحدة جمودًا فوريًّا للأصول الإيرانية بقيمة 12 مليار دولار وقرارات حظر تجاريّ أولية. لاحقًا، رصد تقرير لجنة العقوبات في الأمم المتحدة (UNSC) عام 1996 نقاط ضعف في تشريعات مكافحة تمويل الإرهاب الخاصة بإيرادات صادرات النفط الخام.

2. تصاعد العقوبات النووية وتعمّق العزلة الاقتصادية (2003–2015)

بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد بدء إيران تخصيب اليورانيوم عام 2003، فرض مجلس الأمن الدولي حزمة عقوبات تمنع صادرات التكنولوجيا النووية والنفطية لإيران. في 2015، نص اتفاق “خطة العمل الشاملة المشتركة” على رفع قيود مالية وتجارية محددة، لكن انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018 أعاد فرض العقوبات بقوة1.

3. تأسيس “أساطيل الظل” والتقارير الاستقصائية (2019–2022)

كشف تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست عام 2021 عن شبكة من 30 ناقلة نفط “شبحية” ترفع وتعفي العلم الإيراني أثناء نقل النفط إلى مشترين آسيويين، مستعينة بشركات وهمية في دول جنوب شرق آسيا. وأكد تقرير الأمم المتحدة نفسه في 2022 تورط بنوك إيرانية في عمليات غسل أموال بقيمة 2.5 مليار دولار عبر حسابات في هونغ كونغ وتايلاند.

4. آليات الالتفاف: الشركات الوهمية والعملات المشفرة

  • الشركات الوهمية: في 2020، رصد تحقيق لـنيويورك تايمز أكثر من 50 شركة تسجيل خارجية (خاصة في أوروبا) تعمل كواجهات لشراء المشتقات البتروكيماوية الإيرانيّة وإرسالها إلى السوق العالمية تحت غطاء النشاط التجاري المشروع.
  • العملات المشفرة: أشارت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن إيران استخدمت عملات رقمية بقيمة تقديرية 1.2 مليار دولار سنويًّا لتجاوز العقوبات المصرفية التقليدية منذ 2018.

5. امتدادات النفوذ: ارتباط الشركات بالقادة الإيرانيين

فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في 2020 على شبكة شركات تتبع الحرس الثوري الإيراني، كان لها فروع في ماليزيا ولبنان، وبيّنت التحقيقات الأمريكية أنها نقلت أكثر من 800 مليون دولار لصالح قياديين بارزين في النظام. التقرير الاستقصائي لصندوق النقد الدولي عام 2021 وصف هذا النمط بأنه “شبكة مصالح مالية متشابكة تعزز نفوذ النخبة السياسية”.

6. انتشار الفساد المالي وتأثيره المكثف

  • سحب رؤوس الأموال: تشير بيانات البنك الدولي إلى خروج أكثر من 30 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة الإيرانية إلى الخارج خلال العقد الماضي، مع هروب العوائد إلى حسابات مرتبطة بنخبة النظام.
  • احتكار القطاع الخاص: تقرير مستقل لتقارير الشفافية (TI) 2022 صنف إيران في المرتبة الـ157 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، مع تمييز واضح للشركات الحكومية والمحسوبة على الحرس الثوري.

7. الانعكاس على معارك إيران الإقليمية

الفساد المالي لم يؤثر على الاقتصاد فحسب، بل امتد ليقوض القدرة العسكرية:

  • معركة “البيجر” لحزب الله (2017): وثقت وثائق مسربة لصحيفة نيويورك تايمز تحويل نحو 200 مليون دولار عبر شركات إيرانية وهمية إلى الحزب اللبناني، لكن عدم القدرة على صيانة الإمدادات أدّى إلى تراجع ميداني ملحوظ ضد الفصائل السورية المدعومة دوليًا.
  • عمليات الطائرات المسيرة الإسرائيلية داخل إيران (2024): كشف تقرير مشترك لوكالات استخبارات غربية أن ضعف صفقات الأسلحة وتعطّل تحديث منظومات الدفاع الجوي كان نتيجة مباشرة للرشاوى والعمولات المكشوفة في صفقات وزارة الدفاع الإيرانية.

8. الضرر المباشر على الشعب الإيراني

  • تضخم قياسي: وجدت دراسة مشتركة بين الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي أن معدل التضخم الإيراني بلغ 49% عام 2023، ما دفع أسعار السلع الأساسية للارتفاع بنحو 70% مقارنة بـ2019.
  • انكماش الناتج المحلي: وفقًا لتقرير البنك الدولي 2024، انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6.7% عام 2022، مع تسجيل المقدّر الحقيقي للناتج المحلي الفردي أقل مستوياته منذ 25 عامًا.
  • ارتفاع الفقر والبطالة: راصدون من منظمة العمل الدولية أكدوا في تقريرهم الأخير أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 17.5% في نهاية 2023، مع تفشي ظاهرة “التعليم مقابل العمل” كحل بديل للمتعطلين.

9. الإجراءات الدولية للتصدي للشبكات الموازية

  • عقوبات ثانوية شديدة: فرضت واشنطن في 2022 حزمة على 120 شركة ومؤسسة مالية مرتبطة بإيران خارجيا، شملت حظر التعامل معها دوليًا وتجميد أصولها.
  • مراجعات أممية دورية: لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة تجري تقييمات فصليّة توفر توصيات تقنية للدول الأعضاء حول تعزيز الرقابة على البنوك والتحويلات العابرة للحدود.
  • تعاون قضائي متعدد الأطراف: اتفاقيات إنفاذ الأحكام في الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا ساعدت في تقديم شبكات إيرانية إلى المحاكم الوطنية لاسترداد أصول قيمتها تتجاوز 500 مليون دولار منذ 2021.

على الرغم من ابتكار النظام الإيراني لآليات تداول معقّدة تتيح له الالتفاف على العقوبات، فإن انتشار الفساد المالي واستنزاف الموارد عبر الشبكات الوهمية قوّض قدرة الدولة على التنمية وأضعف الدفاعات، فاتصلت نكبة الاقتصاد بمعاناة الشعب في شكل تضخم وبطالة وفقر. ومهما تكثفت الإجراءات الدولية لردع هذه الأنشطة، يبقى الحلّ طويل المدى مرتبطًا بإرساء مؤسسات شفافة واستقلال القضاء ووقف هيمنة النخبة على مقدرات الأمة.

شارك هذه المقالة
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *