كيف تصل التبرعات إلى “داعش” و“حماس”؟
كشفت الإذاعة البافارية (BR) في تحقيق استقصائي بثته ضمن برنامج “الأموال الألمانية للإرهاب”. أن منظمات مصنفة إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحركة حماس لا تزال تتلقى أموالًا من متبرعين داخل ألمانيا، في انتهاكٍ صريح للقوانين الأوروبية لمكافحة تمويل الإرهاب.
وبحسب التقرير، فإن حملات جمع التبرعات تُدار في الغالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. باستخدام شعارات عاطفية مثل “تبرع بثروتك للجهاد”، وبمبالغ محددة “لسلاح أو ذخيرة”.
نساء داعش وراء “شبكات التبرعات الخفية”
من بين المفاجآت التي كشفها التحقيق، وجود شبكة نسائية داخل تنظيم داعش تشارك في عمليات جمع التمويل وتهريب الأموال.
إحدى الحالات التي تناولها التقرير تعود إلى إليف أ.، امرأة ألمانية من مدينة ميونيخ، غادرت إلى سوريا عام 2015 عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، ومتهمة حاليًا بتنسيق عمليات جمع الأموال لنساء التنظيم في شمال سوريا.
تؤكد الوثائق أن المتبرعين من داخل ألمانيا، حوّلوا أكثر من 40 ألف يورو لدعم عمليات هروب نساء داعش من المخيمات الكردية، إضافة إلى تمويل شراء الأسلحة والإمدادات.
ورغم صدور أحكام بالإدانة بحق عدد من مؤيديها، فإن إليف ما زالت فارّة في سوريا. ويصعب تتبعها بسبب اعتمادها على تطبيق تلغرام المشفر، المستخدم لتنسيق التحويلات بين الداعمين والمستفيدين.
ثغرات قانونية تعقّد مهمة القضاء الألماني
وفقًا للنيابة العامة الفيدرالية الألمانية، فإن إثبات جريمة “تمويل الإرهاب” في المحاكم يواجه عقبات قانونية كبيرة.
فالقانون الحالي يشترط إثبات أن الأموال استخدمت في ارتكاب جريمة إرهابية محددة مثل شراء سلاح أو تنفيذ هجوم وهو ما يصعّب الإدانة القضائية.
نتيجة لذلك، يُحاكم المتهمون غالبًا بتهمة “دعم منظمة إرهابية”. وهي تهمة أخف من “تمويل الإرهاب” وتستلزم إثبات أن الأموال وصلت فعليًا إلى التنظيم، لا مجرد نية التبرع.
ويقول هانس ياكوب شيندلر، الخبير في شؤون الإرهاب من منظمة “مشروع مكافحة التطرف” (CEP)، إن هذا التعقيد يجعل التحقيقات شبه مستحيلة:
“من الناحية العملية، يجب أن تثبت أن كل يورو مرسل لشراء سلاح أو متفجرات، وهذا عبث قانوني يصعّب مكافحة تمويل الإرهاب.”
مقترح قانوني جديد لتجريم “محاولة التمويل”
ردًا على هذه الثغرات، أعلنت وزارة العدل الفيدرالية الألمانية في يوليو الماضي عن نيتها تجريم “محاولة تمويل الإرهاب” حتى لو لم تصل الأموال فعليًا إلى التنظيمات الإرهابية.
ويهدف المشروع إلى توحيد مفهومي “الدعم” و“التمويل” كما هو معمول به في القانون الأمريكي. وأي مساهمة مهما كانت صغيرة تمويلًا مباشرًا للإرهاب.
يقول شيندلر:
“في الولايات المتحدة، حتى لو أرسلت قطعة علكة إلى منظمة مدرجة على قائمة الإرهاب، فأنت ممول إرهاب. أما في أوروبا، فلا تزال الأمور رمادية.”
العملات المشفرة… الطريق السري إلى “داعش” و“حماس”
تؤكد شركة Chainalysis الأمريكية المتخصصة في تتبع العملات المشفرة. أن التنظيمات الإرهابية باتت تعتمد بشكل متزايد على العملات الرقمية مثل “بيتكوين” و“تيثر” لتلقي التبرعات من أوروبا.
يُشير التحقيق إلى حالة الناشط مصطفى أ. من مدينة لينس النمساوية. الذي جمع عدة ملايين من الدولارات عبر نشر رموز QR لمحافظ العملات المشفرة على قناته في “تلغرام”. مخصصًا جزءًا من العائدات لتمويل حركة حماس، المصنفة إرهابية من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ورغم نفيه التهم، فقد ادرج اسمه على قوائم العقوبات الأمريكية والبريطانية في مارس 2024، وتحتجزه السلطات النمساوية حاليًا رهن التحقيق.
هل تستطيع ألمانيا موازنة مكافحة الإرهاب مع حماية الخصوصية؟
يرى خبراء الأمن أن الفضاء الرقمي أصبح الملاذ الأخير لممولي الإرهاب. إذ تستخدم الجماعات المتطرفة مواقع التواصل لتجنيد المتبرعين عبر حملات إنسانية زائفة.
لكن تطبيق قوانين رقابية أكثر صرامة يثير مخاوف تتعلق بحرية التعبير والخصوصية الرقمية التي تكفلها الدساتير الأوروبية.
تؤكد الإذاعة البافارية أن السلطات الألمانية تواجه معضلة:
مطالبة بحماية مواطنيها من تمويل الإرهاب. دون أن تنتهك الحقوق الرقمية أو تحوّل الإنترنت إلى فضاء مراقب بالكامل.
تمويل الإرهاب في ثوب رقمي جديد
يكشف التحقيق أن التهديد الحقيقي اليوم لا يكمن في حجم الأموال التي تصل إلى داعش أو حماس. بل في سهولة نقلها وتعدد قنواتها، من الحوالات السرية إلى العملات المشفرة.
ومع تطور الأدوات التقنية، يزداد التحدي أمام الأجهزة الأمنية التي تحاول ملاحقة شبكة تمتد من ميونيخ إلى إدلب. ومن برلين إلى غزة.“الحرب على الإرهاب لم تعد تُخاض بالأسلحة فقط،
بل بالتحويلات البنكية… وبضغطة زر.”